وادي السيليكون الصيني.. ليانغتشو في قلب سباق الذكاء الاصطناعي

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

في ضاحية ليانغتشو الهادئة بمدينة هانغتشو جنوب الصين، تتشكل ملامح واحدة من أهم البيئات التقنية في البلاد، حيث تحوّلت المنطقة خلال السنوات الأخيرة إلى ما يشبه "قرية المبرمجين"، وسط تدفق المهندسين ورواد الأعمال الشباب الساعين لتأسيس شركاتهم الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.

ليانغتشو، التي تبعد مسافة قصيرة عن مقرات عمالقة التكنولوجيا مثل "علي بابا" و"ديب سيك"، أصبحت مركزاً مهماً يحتضن الطاقات التقنية الجديدة، بدعم من سياسات حكومية محفزة، تشمل الإعفاءات الضريبية والمنح المالية التي بدأت قبل أكثر من عشر سنوات. هذه البيئة الجاذبة أسهمت في نمو مجتمع تقني متكامل يضم مبرمجين في العشرينات والثلاثينات من العمر، ينتقلون من مدن كبرى مثل بكين وشنغهاي وشينغن، للإقامة في القرية والعمل على مشاريعهم الخاصة.

قرية المبرمحين -بحسب تعبير صحيفة وول ستريت جورنال- ليست مساحة سكنية فقط، بل تحولت إلى منظومة عمل تعاونية متكاملة، حيث يعمل المبرمجون من المقاهي والمنازل، ويشاركون في فعاليات تقنية شبه يومية، مستفيدين من أجواء غير رسمية تسهّل تبادل الأفكار واختبار النماذج الأولية. بعضهم ينتظر انتهاء فترات "عدم المنافسة" المفروضة عليهم من شركات سابقة مثل "بايت دانس"، لينطلق في مشروعه الخاص. 



الذكاء الاصطناعي هو القاسم المشترك بين جميع المبادرات التقنية في ليانغتشو. فمدينة هانغتشو نفسها باتت توصف إعلامياً بـ"مركز حُمّى الذكاء الاصطناعي في الصين"، مع صعود شركات مثل "ديب سيك" التي أطلقت في يناير/ كانون الثاني نظام ذكاء اصطناعي متطور بكلفة منخفضة مقارنة بنظرائه في وادي السيليكون. وقد حققت نماذج "ديب سيك" و"علي بابا" مكانة متقدمة عالميًا بين نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر.

الجامعات

جامعات المدينة، وعلى رأسها جامعة "تشجيانغ"، لعبت دوراً محورياً في تغذية السوق بالمواهب. ويُعد خريجوها من بين الكفاءات الأكثر طلبًا في شركات التكنولوجيا الصينية. كما أن معظم مؤسسي الشركات الناشئة في ليانغتشو إمّا درسوا في الجامعة أو عملوا سابقًا في "علي بابا"، مما عزز الروابط المهنية والمجتمعية بينهم.

من بين الأمثلة على الحراك المتصاعد، شركة "مايندفيرس" التي أسسها فيليكس تاو، مهندس سابق في "فيسبوك" و"علي بابا"، وتعمل على تطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي تساعد المستخدمين على إدارة حياتهم اليومية بذكاء، مثل إرسال رسائل دعم تلقائية للزملاء أو تذكير العائلة باللحظات العائلية.

كما برزت ست شركات من المدينة تُعرف باسم "نمور هانغتشو الستة"، من بينها "غايم ساينس" التي أطلقت أول لعبة فيديو صينية ضخمة تحقق نجاحًا عالميًا، و"يوني تري" التي جذبت الأنظار بعروض روبوتاتها في التلفزيون الرسمي.

تحديات

رغم هذا النمو، يواجه مؤسسو الشركات في ليانغتشو تحديات على صعيد التوسع الدولي، خصوصاً في ظل مخاوف بعض المستثمرين الأجانب من ارتباط هذه المشاريع بالحكومة الصينية. وقد أشار بعض المؤسسين إلى صعوبة جذب رؤوس الأموال الأجنبية، في ظل التوترات السياسية والتجارية، وذكروا حالة شركة "بايت دانس" كمثال على ما يمكن أن يحدث إذا اشتبه في علاقات حكومية.

يجد رواد الأعمال أنفسهم أمام خيارين: إما قبول التمويل الحكومي وتوجيه المنتج للسوق المحلية، أو جمع تمويل ذاتي وتأسيس مكاتب في دول محايدة مثل سنغافورة لجذب الاستثمارات الخارجية. بالنسبة لغالبية المؤسسين، الخيار الأول هو الأكثر واقعية.

عائق آخر يتعلق بالوصول إلى الرقائق المتقدمة اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. الولايات المتحدة تفرض قيودًا على تصدير هذه الرقائق إلى الصين، مما دفع شركات صينية مثل "هواوي" و"SMIC" لتسريع جهود التصنيع المحلي. ورغم نجاح بعض الشركات الصينية في تأمين مخزون من رقائق "نفيديا"، لا تزال هناك شكوك حول استمرارية الإمدادات.

تسود في ليانغتشو أيضاً موجة اهتمام متزايدة بمفهوم "الذكاء الاصطناعي الوكيل" (Agentic AI)، أي الأنظمة القادرة على اتخاذ قرارات مستقلة بتوجيهات بشرية عامة. من أبرز الأمثلة على هذا التوجه تطبيق "All Time"، الذي يطوره رائد الأعمال كيان روي، ويستخدم الذكاء الاصطناعي لتقديم دعم عاطفي للمستخدمين استنادًا إلى اختبارات الشخصية الشائعة.



تجربة ليانغتشو تعكس سعي الصين الحثيث لتعزيز موقعها في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، من خلال خلق بيئات عمل محلية محفزة، تجمع ما بين الدعم الحكومي، والمواهب الجامعية، والاندماج المجتمعي، رغم التحديات الجيوسياسية والتقنية.

بذلك، تتحول "قرية المبرمجين" إلى نموذج صيني خاص في حراك الذكاء الاصطناعي، حيث تُبنى أحلام عالمية من داخل أحياء سكنية بسيطة، بأدوات برمجية مفتوحة، وطموحات شبابية كبيرة.

اقرأ أيضاً: سباق المعادن: كيف تُحكِم الصين قبضتها على موارد الأرض؟

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة