خبراء لـ CNBC عربية: النظام السياسي في أميركا لا يرحّب بطموح ماسك الحزبي

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

وائل ثابت - محرر CNBC عربية

في خطوة مفاجئة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، أعلن الملياردير الأميركي إيلون ماسك نيّته تأسيس حزب سياسي جديد تحت اسم “حزب أمريكا”، في محاولة - بحسب تعبيره - لكسر احتكار الحزبين التقليديين، الجمهوري والديمقراطي، للساحة السياسية في الولايات المتحدة. الإعلان جاء في أعقاب خلافات علنية بين ماسك والرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد تمرير خطة إنفاق ضخمة في الكونغرس الأميركي، وهي الخطة التي عارضها ماسك بشدة، واعتبرها مؤشراً على تحالف مصالح يضر بالناخبين.

الرئيس ترامب رد بشكل حاد، واصفاً مبادرة ماسك بأنها “محاولة مشتتة” لن يكون لها أثر فعلي، وقلّل من قدرتها على زعزعة مكانة الحزب الجمهوري. هذا التراشق أثار تساؤلات كثيرة حول مدى واقعية مشروع ماسك، وما إذا كان قادراً فعلاً على اختراق البنية السياسية الأميركية بحزب ثالث له تأثير.

وفي هذا السياق، تحدثت CNBC عربية مع عدد من الخبراء السياسيين الأميركيين لاستطلاع آرائهم بشأن الإمكانات والتحديات التي تواجه تأسيس حزب سياسي جديد في النظام الأميركي.

د. كولين أندرسون: العقبة الحقيقية ليست المال بل قواعد اللعبة

قال الدكتور كولين أندرسون، أستاذ مساعد تطبيقي في العلوم السياسية بجامعة بوفالو بنيويورك، في تصريح خاص لـ CNBC عربية، إن تأسيس حزب جديد في الولايات المتحدة يخضع لإجراءات تنظيمية دقيقة، إلا أن هذه العقبات لا تُعد مستعصية على شخص يمتلك ثروة وشهرة مثل إيلون ماسك. ومع ذلك، يرى أندرسون أن المشكلة الأكبر لا تكمن في الجانب الإجرائي أو المالي، بل في النظام الانتخابي نفسه الذي لا يُتيح بسهولة صعود أطراف سياسية جديدة.

وأوضح أن أي حزب جديد يجب أن يُسجّل رسميًا لدى لجنة الانتخابات الفيدرالية (FEC) خلال عشرة أيام من صرف أو جمع أكثر من ألف دولار، وهو ما يُعد الشرط الأولي لاعتباره كيانًا سياسياً منظماً. لكن لكي يُعترف به كلجنة سياسية وطنية، يجب أن يمتلك الحزب انتشاراً انتخابيًا يتجاوز الترشّح للرئاسة، مثل خوض انتخابات الكونغرس أو مناصب وطنية أخرى، بالإضافة إلى القيام بأنشطة دورية لتسجيل الناخبين، وإصدار بيانات سياسية وطنية، وتنظيم فعاليات حزبية مثل المؤتمرات.

ورغم تعقيد هذه الإجراءات، يعتقد أندرسون أن ماسك يملك الموارد التي تُمكنه من تجاوزها بسهولة، بفضل قدرته على توظيف فرق قانونية وتنظيمية عالية الكفاءة.

لكن الصعوبة الحقيقية، برأيه، تكمن في الهيكل الانتخابي الأميركي الذي يقوم على نظام “الفائز يحصل على كل شيء” في دوائر أحادية التمثيل، ما يؤدي بشكل طبيعي إلى نشوء نظام ثنائي حزبي. هذا ما يُعرف في العلوم السياسية بـ”قانون دوفرجيه”، وهو ما يجعل فرص أي حزب ثالث في تحقيق اختراق سياسي فعلي محدودة للغاية.

اقرأ أيضاً: تسلا تخسر 68 مليار دولار بسبب طموحات إيلون ماسك السياسية

ويضيف أندرسون أن الولايات المتحدة شهدت محاولات عدة لمشاهير وأثرياء في إنشاء أحزاب سياسية، لكنها غالباً ما تنتهي سريعاً أو تبقى محصورة في نتائج محلية محدودة. وإذا كان ماسك جادًا في مشروعه، فعليه أن يُظهر للناخبين أنه لا يسعى فقط لتوسيع نفوذه الإعلامي أو التكنولوجي، بل إنه ملتزم برؤية سياسية واضحة وقابلة للتنفيذ.

ويرى أن ماسك يمتلك قاعدة دعم أولية من أنصاره ومتابعيه، لكنها ليست كافية لتحقيق زخم انتخابي واسع، ما لم يتمكن من مخاطبة الناخب الأميركي المهمّش أو الغاضب من الطبقة السياسية التقليدية. ويرى أن محاولة ماسك لتقديم حزبه كبديل للجمهوريين بدون ترامب لن تكون فعالة، كما أن التوجه نحو خطاب تقدّمي قد يُواجه بعقبة ضعف شعبيته بين التقدميين واليسار الأميركي.

ويختم أندرسون بالقول إن النظام السياسي الأميركي لم يشهد منذ أكثر من قرن اختراقًا حقيقياً من حزب ثالث، ورغم أن ظروف اليوم مختلفة بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن المهمة لا تزال معقدة وتتطلب وقتًا وجهدًا استثنائيين.

د. ريتشارد هاسين: النظام الفيدرالي يمنح كل ولاية سلطات منفصلة تعقّد المهمة

من جانبه، أشار الدكتور ريتشارد هاسين، أستاذ القانون وخبير قوانين الانتخابات في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس (UCLA)، في تصريح خاص لـ CNBC عربية، إلى أن العقبات القانونية والتنظيمية تتجاوز المستوى الفيدرالي، حيث إن كل ولاية أميركية تحتفظ بقواعدها الخاصة التي تُحدد كيفية تسجيل حزب جديد، والآليات التي تسمح له بالظهور على ورقة الاقتراع.

وأوضح أن معظم الولايات تتطلب جمع عدد كبير من توقيعات الناخبين المسجلين، إلى جانب خوض انتخابات فعلية لضمان التمثيل. كما أشار إلى تجربة روس بيرو الذي نجح في جذب دعم واسع خلال التسعينيات، وتمكن من تأسيس حزب الإصلاح، وحصد قرابة 18% من الأصوات الشعبية في أحد انتخابات الرئاسة، لكنه لم يحصل على أي صوت في المجمع الانتخابي بسبب طبيعة النظام.

اقرأ أيضاً: حزب إيلون ماسك الجديد.. هل يُغير خارطة السياسة الأميركية؟

ويرى هاسين أن ماسك سيواجه تحديات أكبر من بيرو، نظراً لكونه شخصية مثيرة للجدل، ولأن الأحزاب التي تتبنى مواقف وسطية لا تلقى عادةً حماسة كافية من الناخبين الأميركيين. ويعتبر أن فرص ماسك ستكون أكبر إذا قرر التأثير من داخل الحزب الجمهوري، عبر دعم مرشحين في الانتخابات التمهيدية بدلاً من تأسيس حزب جديد بالكامل.

 إمكانيات ضخمة، ولكن النظام لا يرحم

في المحصلة، يتفق الخبراء على أن العقبات القانونية والبيروقراطية يمكن تجاوزها بالنسبة لشخص مثل ماسك، لكنها تبقى البداية فقط. التحدي الحقيقي يكمن في بنية النظام السياسي الأميركي الذي لا يُتيح بسهولة دخول لاعبين جدد إلى المشهد، بغض النظر عن الموارد أو الشهرة. ومع استمرار التوتر بين ماسك وترامب، تبدو الأيام المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان “حزب أمريكا” سيتحول إلى مشروع سياسي فعلي، أم مجرد مناورة إعلامية عابرة

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة