في أول دفعة من "الرسائل الجمركية" التي وجّهها إلى شركاء تجاريين، استهدف الرئيس الأميركي دونالد ترامب اثنين من أقرب الحلفاء الآسيويين لواشنطن: اليابان وكوريا الجنوبية –وهما دولتان تعانيان بالفعل من وطأة الرسوم الحالية المفروضة على صادرات السيارات والصلب.
ومن شأن الرسوم الإضافية أن تُفاقم الأعباء على هذين الاقتصادين المعتمدين على التصدير، في وقت يواجهان فيه تباطؤاً في النمو، حيث تقترب اليابان من الدخول في ركود تقني، بعد تسجيل انكماش اقتصادي لربعين متتاليين.
وسجّلت كلٌّ من اليابان وكوريا الجنوبية انكماشاً في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بالربع السابق.
وبينما تواجه الواردات الكورية الجنوبية إلى الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25%، وهو نفس المستوى الذي أعلنه ترامب في أبريل نيسان، فقد تم رفع الرسوم على اليابان بنسبة نقطة مئوية لتبلغ 25%.
ووفقاً لأحدث بيانات البنك الدولي، شكّلت الصادرات –بما في ذلك الخدمات– نحو 22% من الناتج المحلي الإجمالي لليابان في 2023، بينما بلغت حصة الصادرات من الناتج في كوريا الجنوبية 44%.
اقرأ أيضاً: رئيس وزراء اليابان: لن نتساهل في المفاوضات مع واشنطن بشأن الرسوم الجمركية
وفي الوقت الراهن، تُفرض رسوم بنسبة 25% على واردات السيارات وقطع الغيار إلى السوق الأميركية، فيما تُطبَّق رسوم بنسبة 50% على واردات الصلب والألمنيوم من معظم الدول.
وتُعدّ السيارات أكبر صادرات اليابان إلى الولايات المتحدة، كما تُشكّل أيضاً إحدى أبرز صادرات كوريا الجنوبية. وكانت كوريا الجنوبية رابع أكبر مصدر للصلب إلى السوق الأميركية في عام 2024، وفقاً لإدارة التجارة الدولية التابعة لوزارة التجارة الأميركية.
وكان رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا قد صرّح بأن بلاده «تسعى بنشاط إلى التوصل إلى اتفاق يُراعي مصالح الطرفين، مع الحفاظ على المصلحة الوطنية لليابان». وأضاف في مايو أيار أن طوكيو «لن تقبل بأي اتفاق لا يتضمن إزالة الرسوم الجمركية على السيارات».
ويتوقّع نوريهيرو ياماغوتشي، كبير الاقتصاديين المعنيين باليابان في «أوكسفورد إيكونوميكس»، أن تؤدي الرسوم الجديدة إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي لليابان بنسبة 0.1 نقطة مئوية بحلول نهاية عام 2026.
وقال في تصريح لقناة CNBC: «نظراً لأن الاقتصاد يعاني أصلاً من ارتفاع الرسوم على السيارات، ومن حالة عدم اليقين التي تحيط بالسياسات التجارية العالمية، فضلاً عن ضعف الاستهلاك، فإن التأثير لا يمكن تجاهله».
وأضاف أن الاقتصاد الياباني «سينمو بالكاد» في النصف الثاني من عام 2025 والنصف الأول من 2026، إن لم يدخل في حالة ركود صريحة.
اقرأ أيضاً: اليابان تصف الرسوم الجديدة لترامب بـ«المؤسفة» ودول تُسارع لتدارك المهلة الجديدة
وتُعدّ الولايات المتحدة أكبر سوق تصديرية لليابان، حيث بلغت قيمة الشحنات اليابانية إليها نحو 21.3 تريليون ين (145.76 مليار دولار) في 2024، بينما صدّرت كوريا الجنوبية سلعاً بقيمة 127.8 مليار دولار إلى السوق الأميركية في العام نفسه، لتصبح ثاني أكبر سوق تصدير لها بعد الصين.
وفي إشارة إلى تشديد السياسة الجمركية الأميركية، قام «بنك كوريا» في مايو أيار بخفض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في 2025 إلى 0.8%، مقارنة بتقدير سابق عند 1.5% صدر في فبراير شباط.
وقال البنك المركزي: «إن تعافي الطلب المحلي تأخر، ومن المتوقع أن تتباطأ وتيرة نمو الصادرات أكثر بسبب تأثير الرسوم الأميركية».
وحذّر فريدريك نيومان، كبير الاقتصاديين المعنيين بآسيا في بنك HSBC، من أنه «إذا فشلت اليابان وكوريا الجنوبية في التوصل إلى اتفاق، فإن هذه الرسوم ستمثل رياحاً معاكسة قوية للنمو».
ويُشار إلى أن كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية تعانيان بالفعل من تباطؤ في الطلب المحلي.
وفي ما يشبه محاولة لتهدئة الأجواء، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه مستعد لـ«النظر، وربما، في تعديل هذه الرسالة»، إذا ما قامت الدول المعنية بفتح أسواقها «المغلقة حتى الآن» أمام المنتجات الأميركية.
وقال فيشنو فاراثان، المدير التنفيذي في «ميزوهو سيكيوريتيز»، إن كوريا الجنوبية واليابان تتعرضان حالياً لضغوط متزايدة في إطار تكتيكات تفاوضية.
اقرأ أيضاً: كوريا الجنوبية تسعى لتمديد تعليق الرسوم الجمركية الأميركية مع اقتراب انتهاء المهلة
وأضاف: «الإحباط الأميركي من نهج اليابان الأكثر مبدئية وشمولية، الذي يغطي الرسوم القطاعية ويُعطّل التوصل إلى اتفاق، كان مصدر إزعاج واضح للمفاوضين التجاريين الأميركيين، والأهم من ذلك للرئيس ترامب نفسه».
ورغم أن ترامب لم يُعبّر علناً عن استيائه تجاه كوريا الجنوبية، أشار فاراثان إلى أنه «ليس من المستبعد أن تكون هناك نقاط خلاف مماثلة لما هو حاصل مع اليابان، ما يبرّر شمولها ضمن الرسائل الجمركية».
في غضون ذلك، يبدو أن الأسواق المالية تتعامل مع التهديدات الجمركية بنوع من الهدوء المرحلي. إذ أشار فريدريك نيومان، كبير الاقتصاديين لآسيا في بنك HSBC، إلى أن الرسائل التي وجّهها ترامب تعني فعلياً «تمديداً لمهلة المفاوضات بشأن الرسوم لمدة ثلاثة أسابيع إضافية».
وأضاف: «الأسواق المالية تتفاعل مع هذه التطورات بحذر، مركّزة على احتمال أن تؤدي المفاوضات إلى تقليص الرسوم المهدَّد بفرضها».
اقرأ أيضاً: وزير الخزانة الأميركي يتوقع وصول إيرادات الرسوم الجمركية إلى 300 مليار دولار بنهاية 2025
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي