الإيجار القديم في مصر.. توقيع الرئيس هل يحسم الجدل؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

بقلم فاروق يوسف

مراسل CNBC عربية في القاهرة

 

بينما تتسارع التحضيرات، وتزداد وتيرة النقاش في الشارع المصري حول واحد من أكثر الملفات حساسية في التاريخ التشريعي والاجتماعي لأكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، تتجه جميع الأنظار الآن إلى خطوة واحدة: هي موافقة رئيس الجمهورية على قانون الإيجار القديم. تلك الموافقة المرتقبة لا تمثل مجرد إجراء دستوري، بل هي اللحظة التي ستحول القانون من نص نال الموافقة البرلمانية إلى واقع ينتظر التطبيق على الأرض.

مرّ أكثر من أسبوعين على موافقة البرلمان المصري على القانون الجديد، ومع انتهاء لحظة التصويت وبداية لحظة التنفيذ، يشهد الملف العديد من التساؤلات، ليس فقط من جانب المستأجرين، بل أيضًا من الملاك والسلطات المحلية، في محاولة لقراءة ما ستكشف عنه الأيام القادمة بعد بدء التنفيذ الفعلي لأحكام القانون الجديد.

بينما يرى البعض أن رئيس الجمهورية سيُصدق على القانون كما أقره البرلمان دون تغيير، يأمل آخرون في إدخال تعديلات على بعض بنود القانون، حيث ظهرت أصوات تنادي علنًا بضرورة التعديل قبل صدور القانون رسميًا، مراعاةً للبعد الاجتماعي وتفاديًا لأي آثار سلبية قد تطال شريحة واسعة من المستأجرين، خاصة كبار السن ومحدودي الدخل.

القانون الذي طال انتظاره وأثار جدلا واسعًا قبل إقراره لم ينه الجدل بل أعاد صياغته في صورة استفسارات جديدة تطرح نفسها الآن بإلحاح ليس على طاولة التشريع بل في قلب الشارع  وبين تفاصيل العمارات القديمة وأحاديث المقاهي وهموم الشقق التي تسكنها آلاف العائلات منذ عقود بأجور رمزية وتاريخية.

في أحد أحياء القاهرة، تقف سعاد عبد الراضي، سيدة تخطت الستين من العمر- أمام باب شقتها القديمة التي تسكنها منذ أكثر من أربعين عامًا وتقول بنبرة يختلط فيها القلق بالرضا: "إحنا مش ضد القانون بس مش عارفين إيه اللي هيحصل بعد كده ولا هنسكن فين ولا هنقدر نكمل بنفس الإيجار".

وفي الجهة المقابلة ينتظر سيد عبد العال وهو أحد ملاك العقارات في حي مجاور لوسط البلد بالقاهرة تصديق رئيس الجمهورية على القانون، ويقول: "احنا ما صدقنا حد ينصفنا، ده أنا من سنين مش قادر أعمل صيانة ولا عارف أستفيد من ملكي".

أما آخر التصريحات الرسمية لم تكن بعيدة عن هذا المزاج الشعبي، إذ أكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن جزءًا من مشكلة العقارات الآيلة للسقوط يرتبط بتقادم قوانين الإيجار القديم.

ففي الأحياء القديمة، تتردد العبارات ذاتها على لسان السكان "إحنا مش ضد التطوير ولا الزيادة، بس خايفين من المصير"، وفي المقابل يتحدث ملاك العقارات عن سنوات طويلة عانوا فيها من التجميد وفقدان العائد، حتى تحولت الكثير من المباني إلى كتل متهالكة، لا تصلح للسكن ولا للتطوير.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لم تهدأ وتيرة النقاش، بل تحولت من الجدل التشريعي إلى التساؤلات التنفيذية: من سيضمن مراعاة الحالات الإنسانية؟ كيف ستتصرف الدولة في حال عجز الأسر عن إيجاد سكن بديل؟ وهل ستتوفر بدائل حقيقية أم أن الإخلاء سيكون بلا مخرج؟

تتزامن مع هذه الأسئلة بدء التجهيزات لاتخاذ أولى خطوات الحصر والمتابعة استعدادًا للتنفيذ، تتجه الأنظار إلى التفاصيل، والآليات المنتظرة للتطبيق، مع مطالبات بأن تكون هناك لجان تقييم محايدة تضمن تطبيقًا عادلًا لا يفتح أبوابًا جديدة للنزاع.

فرغم أن نص القانون تضمن فترة انتقالية واضحة، إلا أن الخوف من المجهول لا يزال حاضرًا لدى كثير من الأسر التي ترى في منازلها أكثر من مجرد سقف، بل حياة متجذرة في المكان.

شاهد أيضاً: أسعار العقارات في مصر.. هدوء حذر في النصف الأول من 2025

على الضفة الأخرى، يرى الملاك أن سنوات التجميد حرمتهم من حقوقهم، وجعلت من استثمار العقار عبئًا لا عائد له، وهو ما خلق ما يشبه الصدام الصامت بين طرفين يملكان روايتين متضادتين.

ووفقاً للقانون، فبعد انتهاء الفترة الانتقالية، تُحرر العلاقة الإيجارية وتُخضع جميع العقود لأحكام القانون المدني، وفقًا لما يتفق عليه الطرفان، بما يُعيد التوازن بين حقوق المالك والمستأجر.

كما تنص تعديلات قانون الإيجار القديم على تطبيق زيادات تدريجية في القيمة الإيجارية للوحدات السكنية وغير السكنية خلال الفترة الانتقالية، حيث تُرفع الإيجارات في المناطق المتميزة 20 ضعفًا من قيمتها الحالية، على ألا تقل عن ألف جنيه شهريًا.

بينما ترتفع في المناطق المتوسطة إلى 10 أضعاف بحد أدنى 400 جنيه، وفي المناطق الاقتصادية يُحدّد الحد الأدنى للقيمة الإيجارية بـ 250 جنيهًا. أما الوحدات غير السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين فتُرفع قيمتها إلى 5 أضعاف الإيجار الحالي، مع زيادة سنوية ثابتة بنسبة 15% طوال مدة الفترة الانتقالية.

ومع اقتراب بدء التنفيذ الفعلي، ستكون الأسابيع المقبلة كاشفة لحجم الاستعدادات على الأرض، وقدرة الجهات المعنية على تحويل القانون إلى أداة إصلاح حقيقي، دون أن يتحول إلى عبء على الفئات الأقل دخلاً.

اقرأ أيضاً: البنك المركزي المصري يثبت معدلات الفائدة على الإيداع والإقراض

ويبقى التحدي الأكبر في أن يتحقق الهدف من القانون، وهو استعادة التوازن بين المالك والمستأجر، دون أن تهتز المعادلة الاجتماعية الهشة التي بنيت على مدار عقود.

لكن مع تأكيد رئيس الحكومة على توفير بدائل للمتضررين من قانون الإيجار القديم قبل انتهاء المهلة المحددة، وذلك لضمان عدم تضررهم من تطبيق القانون، يبقى الأمل معلقًا بخطة تنفيذ عادلة، تحفظ الحقوق وتراعي الواقع.

فبالرغم من حسم القانون إلا أن معارك تطبيقه لا تزال في بدايتها، بحسب آراء الخبراء، سيما وأن الرهان الأكبر بألا يكون القانون انتصارًا لطرف على حساب آخر، بل نقطة انطلاق نحو تسوية عادلة تحفظ كرامة الساكن، وحق المالك.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة