في دراسة علمية نُشرت في دورية "Environmental Research Letters"، سلّط فريق من الباحثين الضوء على العلاقة المتنامية بين الظواهر المناخية المتطرفة، ولا سيما موجات الحر، والارتفاع الحاد في أسعار الغذاء، وتأثيراتها الواسعة على استقرار المجتمعات.
تشير الدراسة إلى أن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر بشكل مباشر على الإنتاج الزراعي، ما يؤدي إلى تراجع في العرض وارتفاع في أسعار السلع الغذائية الأساسية. وبينما قد يكون التضخم العام بطيئاً في الاستجابة لهذه التغيرات، إلا أن أسعار بعض السلع الزراعية تقفز بنسب حادة خلال فترات قصيرة من الظواهر المناخية الحادة.
رصد الباحثون زيادات مقلقة في أسعار منتجات زراعية رئيسية خلال الفترة من 2022 إلى 2024، كان معظمها نتيجة مباشرة لموجات حر أو جفاف شديد.
أبرز الأمثلة
اعتمدت الدراسة على تحليل 16 حالة موثقة من زيادات حادة في أسعار الغذاء حول العالم، ارتبطت بشكل مباشر بظروف مناخية متطرفة. . في أوروبا ارتفع سعر زيت الزيتون بنسبة 50% عام 2023 بعد موجات جفاف طويلة في إسبانيا.. وفي الهند: تسببت موجة الحر في مايو 2023 في ارتفاع أسعار البصل بنسبة 89%.. بينما في كوريا الجنوبية: قفزت أسعار الكرنب 70% بعد صيف قياسي في الحرارة.
وفي اليابان: ارتفع سعر الأرز 48 % في سبتمبر/ آيلول الماضي بسبب موجة حر أغسطس/ آب.. وكذلك في الصين زادت أسعار الخضراوات 30%، بينما شهدت كاليفورنيا وأريزونا ارتفاعًا بنسبة 80 % في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بسبب الجفاف.
تغير المناخ يزيد حدة التقلبات
من جانبه، يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة، الباحث ماكسيميليان كوتز، أن العديد من هذه الأحداث المناخية كانت "غير مسبوقة تاريخياً"، مشيراً إلى أن درجات الحرارة تجاوزت التوقعات في ظل مناخ مستقر غير متأثر بالانبعاثات البشرية. كما يحذر من أن تكرر هذه الظواهر سيزيد مع استمرار ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة، مما سيؤدي إلى مزيد من التقلبات في الأسعار بطرق يصعب توقعها.
التجارة العالمية تنقل الصدمات المناخية
لا تقتصر تأثيرات الصدمات المناخية على المناطق المتضررة مباشرة، بل تمتد عبر سلاسل التوريد العالمية. على سبيل المثال، ارتفعت أسعار الشوكولاتة في بريطانيا بعد تضاعف أسعار الكاكاو ثلاث مرات بسبب الجفاف في غانا وساحل العاج.
كما أشار راج باتيل من جامعة تكساس إلى أن المضاربة في الأسواق والسياسات التجارية السيئة (مثل حظر الصادرات) تفاقم الأزمات، مثلما حدث عام 2010 عندما تسبب حظر روسيا على تصدير القمح في أعمال شغب بسبب الخبز في موزمبيق.
تأثيرات مختلفة
تبرز الدراسة مجموعة من التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة لذلك، في مقدمتها زيادة التضخم، إذ تؤثر تقلبات أسعار الغذاء على السياسات النقدية، خاصة في الاقتصادات الناشئة حيث يشكل الغذاء جزءًا كبيرًا من سلة المستهلك. ففي بريطانيا، أسهم ارتفاع أسعار الغذاء في وصول التضخم إلى 3.6 % في يونيو، حزيران 2024، وهو الأعلى منذ 18 شهرًا.
ومن بين التأثيرات أيضاً انعدام الأمن الغذائي: مع ارتفاع التكاليف، تلجأ الأسر الفقيرة إلى تخفيض استهلاك الأطعمة المغذية مثل الفواكه والخضراوات، مما يهدد الصحة العامة.
اقرأ أيضاً
وتحذر آنا تايلور من مؤسسة الغذاء البريطانية من أن الدول المعتمدة على الواردات (مثل بريطانيا) أكثر عرضة للصدمات المناخية الخارجية. ودعا الباحثون إلى تعزيز مرونة النظم الغذائية ومواجهة تغير المناخ لتجنب كوارث اقتصادية واجتماعية أوسع.
ووفق الدراسة، لم يعد تغير المناخ مجرد تهديد بيئي بعيد المدى، بل أصبح محركًا رئيسيًا للتضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في الوقت الحاضر.
مخاطر مضاعفة في ظل غياب التحرك
تحذر الدراسة من أن السيناريوهات المستقبلية تشير إلى تفاقم الأزمة إذا لم يتم اتخاذ تدابير جذرية. ففي حال استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة ضمن السيناريو الأسوأ قد ترتفع مساهمة موجات الحر في التضخم الغذائي بنسبة تصل إلى 1.8 نقطة مئوية إضافية بحلول عام 2060.
تشير التقديرات إلى أن أوروبا قد تشهد تضاعفًا في درجات الحرارة الصيفية مقارنة بالمعدل العالمي، ما يجعل القارة عرضة لموجات حر غير مسبوقة.
مجالات تدخل عاجلة
تدعو الدراسة إلى ضرورة بناء استراتيجيات استباقية للتعامل مع المخاطر المناخية المرتبطة بالغذاء، وتشمل (تطوير تقنيات زراعية مقاومة للحرارة والجفاف، وتحسين أنظمة الري والتخزين وتقليل الفاقد الغذائي، وإنشاء شبكات تحذير مبكر لأسواق الغذاء، وتعزيز الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة، ودمج الاعتبارات المناخية في السياسات الاقتصادية والصحية).
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي