◾️ "الخروج من العزلة، وتجنب العقوبات الجديدة، واستغلال إصرار ترامب على إنهاء الحرب؛ من أجل حل المهام التي فشل في إنجازها عسكرياً عبر الوسائل الدبلوماسية".. ثلاثة أهداف رئيسية يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحقيقها من قمة ألاسكا، بحسب محللين
◾️ "لا ميزان القوى في ساحة المعركة ولا الضغوط المالية تدفع بوتين إلى تقليص طموحاته الإقليمية أو النظر في شروط سلام غير مواتية؛ فتركيزه منصبّ بدلاً من ذلك على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع دونالد ترامب، تجنباً لأن تتحول إحباطات الرئيس الأميركي تجاه موسكو إلى تكلفة ملموسة"
تحمل ألاسكا، التي اختيرت كمقر لاجتماع فلاديمير بوتين ودونالد ترامب يوم الجمعة 15 أغسطس/ آب، رمزية بالغة تعكس نظرة الكرملين إلى العالم؛ فبعكس السيطرة العسكرية لبوتين على نحو خُمس أوكرانيا، جاءت عملية بيع ألاسكا في القرن التاسع عشر إلى الولايات المتحدة في عهد الإمبراطور ألكسندر الثاني كصفقة سلمية. ومع ذلك، تظل تذكرة بأن الحدود الوطنية ليست ثابتة، وأن الأرض يمكن أن تكون عملة في فنون الدبلوماسية.
بحسب محللين، فإن لا ميزان القوى في ساحة المعركة ولا الضغوط المالية تدفع الرئيس الروسي إلى تقليص طموحاته الإقليمية القصوى أو النظر في شروط سلام غير مواتية؛ فتركيزه منصبّ بدلاً من ذلك على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع دونالد ترامب، تجنباً لأن تتحول إحباطات الرئيس الأميركي تجاه موسكو إلى تكلفة ملموسة، بحسب تحليل لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية هذا الأسبوع.
دوافع بوتين
وينقل التحليل عن الزميلة في مركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا، ألكسندرا بروكوبينكو، قولها: "لا يوجد لدى بوتين أي دافع لإنهاء الحرب الآن، ما يهمه هو إبقاء ترامب مهتماً بالأمر".
لكن في هذا الجانب، كانت المخاطر على موسكو أكبر؛ فترامب، الذي وصل إلى السلطة (في ولاية ثانية في يناير/ كانون الثاني 2025) متعهداً بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة، عبّر عن انزعاجه من كون بوتين "لطيفاً جداً" بينما يهاجم أوكرانيا في الوقت نفسه ويغذي واشنطن "بكم هائل من الهراء".
ولأول مرة منذ توليه المنصب، بدأ ترامب في السماح بتحويلات أكبر وأكثر أهمية من الأسلحة إلى كييف، وهدد بفرض رسوم جمركية على الهند بسبب شرائها النفط الروسي.
غير أن هذه النزعة المتعجلة –بحسب تحليل الصحيفة البريطانية- انقلبت تقريباً بين ليلة وضحاها بعد زيارة المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف إلى موسكو الأربعاء الماضي، أي قبل يومين فقط من مهلة ترامب لوقف إطلاق النار أو فرض العقوبات. وبدلاً من مزيد من المتاعب للكرملين، كانت النتيجة هي أول دعوة يوجهها بوتين إلى الولايات المتحدة للقاء رئيس أميركي منذ اجتماعه مع جورج دبليو بوش في العام 2007.
ويشير أستاذ السياسة الروسية في كلية كينغز كوليدج لندن،سام غرين، إلى أن اجتماع ألاسكا يأتي حصيلة "دفع بوتين وترامب نفسيهما إلى الزاوية".
اقرأ أيضاً: ترامب يلتقي بوتين في آلاسكا.. هل بدأ العد التنازلي لإنهاء الحرب في أوكرانيا؟
ويوضح أن بوتين لم يكن ليعلن عن الصفقة وفق الجدول الزمني الذي وضعه ترامب، لأن ذلك سيعطي إشارة على الضعف تحت الضغط، بينما كان ترامب متردداً إزاء فرض عقوبات قد يتبين في النهاية أنها غير فعّالة، وبالتالي "الظهور بمظهر الضعيف مرتين".
ويضيف: "حقيقة أن بوتين يذهب إلى الولايات المتحدة لا كسجين، وأنه انتقل من كونه مصدر إحباط إلى شخص مرحّب به، وأن الاجتماع يتم من دون الأوكرانيين والأوروبيين.. كل ذلك يعدّ مكسباً دبلوماسياً".
أما غياب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن لقاء ترامب–بوتين، وهو مكسب طالما سعى إليه الكرملين، فقد بدا أنه تحقق دون أن تقدم روسيا تنازلات كبيرة بشأن أهدافها الأساسية في الحرب.
بالنسبة لأندريه كوزيريف، وزير الخارجية الروسي الأسبق، فإن ذلك يوضح أن الاجتماع بحد ذاته سيكون "مكسباً سياسياً لبوتين"، يحققه "داخلياً ودولياً دون تكلفة، بخلاف نظيره".
ثلاثة أهداف لبوتين
ويضيف تحليل الصحيفة أن مسؤولين أوكرانيين يرون أن الانتقال إلى المحادثات يمثل محاولة من بوتين لتحقيق ثلاثة أهداف واضحة على الأقل. وقالت أليونا غيتمانشوك، الرئيسة الجديدة لبعثة أوكرانيا لدى الناتو، إن الهدف هو الخروج من العزلة، وتجنب العقوبات الجديدة، واستغلال إصرار ترامب على إنهاء الحرب "من أجل حل المهام التي فشل في إنجازها عسكرياً عبر الوسائل الدبلوماسية".
تأتي هذه التحركات الدبلوماسية في وقت تواجه فيه القوات الأوكرانية ضغوطاً متزايدة في الشرق، حيث يدفع الجيش الروسي حالياً نحو تطويق عدة مدن كانت بمثابة معاقل استراتيجية للمدافعين الأوكرانيين.
وبحسب مجموعة "بلاك بيرد" المتخصصة في الاستخبارات مفتوحة المصدر، فقد سيطرت روسيا على 502 كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية في يوليو/ تموز، بمعدل مشابه لتقدمها في يونيو/ حزيران ومايو/ آيار، وهو من أعلى المعدلات خلال العام الماضي.
كما ذكرت مجموعة "ديب ستيت"، وهي جهة لرصد الحرب مرتبطة بوزارة الدفاع الأوكرانية، يوم الأحد أن القوات الروسية تمكنت من التقدم بنحو 7 كيلومترات في منطقة قرب مدينة بوكروفسك، التي تحاول القوات الروسية تطويقها منذ عام.
الملف الاقتصادي
وعلى الصعيد الاقتصادي، تبدو روسيا أقل ثقة، إذ تراجعت إيراداتها من الطاقة بنسبة 20% على أساس سنوي خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، بفعل انخفاض أسعار النفط، في حين أضافت الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب على الهند مزيداً من الضغوط.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في الاقتصاد الروسي لدى المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، يانيس كلوغه، قوله: "اقتصاد روسيا اليوم أضعف مما كان عليه في أي وقت خلال السنوات الثلاث الماضية". لكنه يضيف أن الوضع ليس خطيراً بما يكفي لتغيير موقف بوتين من أوكرانيا.
ويتابع: "بالنسبة لبوتين، فإن تهديدات العقوبات هي انعكاس لإحباط ترامب"، موضحاً أن بوتين "أكثر قلقاً من تزايد إحباط ترامب من تأثير العقوبات الجديدة نفسها".
تفاصيل المحادثات
ولم تُكشف جميع تفاصيل محادثات بوتين وويتكوف، لكن بعض العناصر الرئيسية ظهرت في اتصالات أميركية مع نظراء أوروبيين وأوكرانيين وفي تصريحات علنية، بما في ذلك احتمال تبادل أراضٍ أوكرانية.
وقال ترامب: "سيكون هناك تبادل لبعض الأراضي، بما يصب في مصلحة الطرفين". وعلى الفور، وصفت موسكو مقترحات ويتكوف بأنها "مقبولة"، لكنها لم تعلق على تصريحات ترامب بشأن تبادل الأراضي.
وأكد بوتين مراراً أن شروطه بشأن أوكرانيا لم تتغير. وقال للرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، بينما كانا يجلسان على مقعد في دير فالام شمال روسيا في الأول من أغسطس: "هي ليست حتى شروطاً، بل أهداف روسيا".
مطالب بوتين
وأضاف: "الهدف الرئيسي هو إزالة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة"، مشيراً إلى خطابه الذي استغرق نحو 90 دقيقة في يونيو/ حزيران الماضي، حيث عرض مطالبه مدعمة بحكايات تاريخية.
وتشمل هذه المطالب تخلي أوكرانيا رسمياً عن عضوية الناتو، والحفاظ على وضعها غير النووي، و"نزع سلاحها". كما قال إن على أوكرانيا أن "تنسحب بالكامل" من أربع مناطق أوكرانية تحتل روسيا أجزاءً منها فقط، لكنها قررت ضمها رسمياً إلى أراضيها.
ولا يستبعد بوتين أن تحتفظ أوكرانيا بـ"سيادتها" على منطقتي خيرسون وزابوريجيا شريطة أن تمنح روسيا حق الوصول إلى القرم عبرهما. وأضاف: "على كييف أن تضمن حق ارتفاق" (مصطلح قانوني يعني الحق في استخدام أرض).
اقرأ أيضاً: ترامب: وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا "أمر في يد بوتين"
ويقول المحلل السياسي المقيم في كييف، فولوديمير فيسينكو، إن مطلب انسحاب أوكرانيا من دونيتسك ولوغانسك يمثل "فخاً تفاوضياً".
ويضيف: "بوتين يدرك تماماً أن أوكرانيا لن توافق على تقديم تنازلات أحادية، وسيحاول استغلال هذا الاجتماع مع ترامب، ورفضنا للخطة الروسية، لاتهام أوكرانيا بأنها لا تريد إنهاء الحرب".
استطلاعات الرأي
ورغم أن استطلاعات الرأي أظهرت تزايد شعور الإرهاق في أوكرانيا، وتنامي التأييد لاحتمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن هناك معارضة كاسحة لأن تخضع أوكرانيا للمطالب الروسية بالانسحاب من المناطق المأهولة بالسكان.
ففي استطلاع أجراه "المعهد الدولي لعلم الاجتماع في كييف" في يوليو/ تموز، رفض ما يقرب من ثلاثة أرباع الأوكرانيين خطة لإنهاء الحرب تتضمن تخلي أوكرانيا عن كامل مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا، والتنازل عن عضوية الناتو، وقبول قيود على جيشها.
وفي المقابل، أيدت غالبية بسيطة بنسبة 54% خطة تنص على تجميد خط المواجهة، وحصول أوكرانيا على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وأوروبا، ورفع العقوبات المفروضة على روسيا تدريجياً.
ومع اقتراب قمة ألاسكا، يعمل كل من زيلينسكي وبوتين على تعزيز الدعم من حلفائهما. فالمفاوضون الأوكرانيون يريدون من أوروبا والولايات المتحدة الإصرار على أن تُجرى المفاوضات فقط بعد وقف إطلاق النار أو خفض ملموس للأعمال العدائية.
أما بوتين، فقد أجرى محادثات هاتفية مع قادة تسع دول تعتبرها موسكو صديقة، من بينها الرئيس الصيني شي جين بينغ، كما استضاف في الكرملين رئيس دولة الإمارات ومستشار الأمن القومي الهندي.
وتنقل الصحيفة عن المحلل السياسي المقيم في موسكو أندريه كوليسنيكوف، قوله: "لا يوجد بديل حقيقي سوى تجميد الصراع على طول خط المواجهة الحالي. سيناريو ما بعد الحرب الكورية أكثر ترجيحاً بكثير من سلام دائم".
ويتابع: "بوتين يرغب في تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ مع ترامب وشي. يريد يالطا جديدة وحرباً باردة، هذا بالضبط ما يريده.. إنه يتطلع لأن ينال أمجاد ستالين".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي