هذه المرة، عندما يصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى المكتب البيضاوي، فلن يكون بمفرده. فقد قرر عدد من رؤساء الوزراء والرؤساء الأوروبيين التوجه إلى واشنطن لحضور الاجتماع المقرر الاثنين، للتأكد من أن أوكرانيا ستظل قادرة على الصمود والبقاء كدولة قابلة للدفاع عنها، مهما كانت التنازلات الجغرافية التي قد تُطرح على طاولة المفاوضات.
لكن حضورهم يهدف أيضاً إلى ضمان بقاء التحالف عبر الأطلسي متماسكاً. إذ إن التحول المفاجئ للرئيس الأميركي دونالد ترامب في قضية حاسمة، وهي ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل الدخول في مفاوضات حول الأراضي أو الضمانات الأمنية، أثار قلق العديد من القادة الأوروبيين، ودفعهم للتساؤل عما إذا كان ترامب قد تأثر مجدداً بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
وبحسب معظم التقديرات، يسعى المسؤولون الأوروبيون إلى التأكد من أن ترامب لم يقترب أكثر من الموقف الروسي، وألا يحاول الضغط على زيلينسكي للقبول باتفاق قد يزرع بذور تفكك أوكرانيا في المستقبل. كما يريدون منع تقويض الدور الأميركي الذي ظلّ حجر الأساس في منظومة الأمن الأوروبية منذ تأسيس حلف شمال الأطلسي «الناتو» عام 1949.
اقرأ أيضاً: رئيسة المفوضية الأوروبية وعدد من القادة الأوروبيين يرافقون زيلينسكي في زيارته للبيت الأبيض
وفي مكالمة هاتفية أجراها ترامب مع زيلينسكي يوم السبت، عرض الرئيس الأميركي تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا بعد الحرب، في تحول عن موقفه السابق الذي دعا فيه أوروبا إلى تحمل العبء الرئيسي في حماية كييف. لكن تفاصيل هذا التعهد بقيت غير واضحة.
وفي مؤتمر صحفي عُقد الأحد في بروكسل، شددت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، على أهمية توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا واحترام وحدة أراضيها. لكنها أكدت أيضاً أن «وقف القتل» أمر في غاية الإلحاح، ودعت إلى عقد محادثات بين رؤساء روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة «في أقرب وقت ممكن».
وقال دبلوماسي أوروبي بارز –طلب عدم الكشف عن اسمه خشية إثارة غضب ترامب– إن هناك حالة من الذعر تسود بين الحلفاء الأوروبيين. وأضاف أنه لم يشهد اجتماعاً يجري التحضير له بهذه السرعة منذ الفترة التي سبقت حرب العراق.
ووفقاً للدبلوماسي، فإن الهاجس الأكبر هو تجنب تكرار المشهد الذي حدث في فبراير شباط الماضي، عندما ظهر زيلينسكي بجانب ترامب أمام عدسات التلفزيون في البيت الأبيض.
في ذلك الاجتماع، وبّخ الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الأوكراني قائلاً له: «أنتم لا تملكون الأوراق»، في إشارة إلى ضعف موقف أوكرانيا في الحرب، ودفعه عملياً إلى الرضوخ لمطالب قوة أكبر.
وقد كرر ترامب هذا الموقف مجدداً مساء الجمعة، بعد عودة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أقصى الشرق الروسي، حين قال في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» إن على أوكرانيا أن تدرك أن روسيا دولة أكثر «قوة»، وأن هذه القوة تعني أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي سيكون مضطراً لتقديم تنازلات.
اقرأ أيضاً: نتائج قمة ألاساكا.. ترامب يتحدث عن "تقدم كبير" وويتكوف يشير إلى تقديم روسيا تنازلات
أما وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي حضر اجتماعات ترامب وبوتين في القاعدة الجوية الأميركية قرب أنكوراج بولاية ألاسكا، فقد نفى الأحد أن يكون الهدف من حضور القادة الأوروبيين الاجتماع المرتقب هو حماية زيلينسكي من تكرار مشهد فبراير شباط الماضي الذي شهد مشادة علنية بينه وبين ترامب.
وقال روبيو في مقابلة مع مارغريت برينان على شبكة «سي بي إس»: «الأوروبيون لا يأتون هنا لمنع زيلينسكي من التعرّض للتنمر»، مضيفاً: «إنهم يأتون غداً لأننا نعمل مع الأوروبيين منذ فترة طويلة»، مشيراً إلى سلسلة من الاجتماعات التي عقدتها الولايات المتحدة معهم قبل وبعد لقاء بوتين. وأضاف: «لقد دعوناهم للحضور».
وأكد مسؤولون أوروبيون السبت أن ترامب قال لزيلينسكي إنه حر في اصطحاب ضيوف إلى الاجتماع، قبل أن يوجه البيت الأبيض لاحقاً دعوات رسمية لعدد من القادة الأوروبيين.
ومهما كانت دوافع هؤلاء القادة لتغيير جداولهم على عجل، فإن لا شك أن بنود المفاوضات ستضع تماسك التحالف الأطلسي على المحك. إذ يرى محللون أن جدول أعمال بوتين يتجاوز مسألة السيطرة على جزء من أوكرانيا أو كلها، إذ إن طموحه الأكبر على مدى ما يقارب ربع قرن ظل يتمثل في تفكيك حلف شمال الأطلسي «الناتو» وشق الصف بين الحلفاء الأوروبيين والولايات المتحدة، بحسب نيويورك تايمز.
بينما تكافح أوروبا وأوكرانيا للتعامل مع التحول المفاجئ في استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة متجددة لتحقيق حلمه القديم. فالمشهد الراهن يكشف أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين باتوا يتبعون استراتيجيات تفاوض مختلفة.
وقد كانت الخلافات تتراكم منذ فترة طويلة، لكنها برزت إلى العلن في الأسابيع التي سبقت لقاء بوتين. وقال نائب الرئيس الأميركي جي. دي. فانس قبل أسبوع بلهجة قاطعة: «لقد انتهينا من تمويل حرب أوكرانيا».
في المقابل، تعهّد الأوروبيون بمواصلة الدعم عبر مجموعة من الدول التي تتحرك خارج إطار حلف شمال الأطلسي «الناتو». وتمكّن هؤلاء من انتزاع وعد من ترامب بتزويد أوكرانيا بالأسلحة، شرط أن يتم الدفع مقابلها من الخزائن الأوروبية.
وكانت الرسالة واضحة: الدفاع عن أوكرانيا قضية أوروبية، لا مسؤولية واشنطن.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي