تواجه حكومة الأقلية في فرنسا، الثلاثاء، احتمال الانهيار خلال أسابيع، بعدما أعلنت أحزاب المعارضة أنها لن تدعم رئيس الوزراء فرنسوا بايرو في تصويت على الثقة مقرر في 8 سبتمبر أيلول، مرتبط بخططه لخفض الإنفاق في الموازنة.
وتراجع مؤشر «كاك 40» في باريس بنسبة 2% في التعاملات المبكرة الثلاثاء، بينما ارتفعت تكاليف الاقتراض الفرنسية متوسطة وطويلة الأجل، إذ ارتفع العائد على السندات لأجل عشر سنوات بنقطتين أساسيتين، والعائد على السندات لأجل ثلاثين عاماً بأربع نقاط أساس.
ويُعد خفض العجز المالي قضية مزمنة ومثيرة للجدل السياسي في فرنسا. وكانت محاولة تمرير موازنة 2025 من دون موافقة البرلمان قد أدت العام الماضي إلى انهيار حكومة الأقلية السابقة برئاسة ميشال بارنييه. وقد ازدادت الاضطرابات السياسية في فرنسا منذ الانتخابات البرلمانية في يوليو تموز 2024 التي لم تسفر عن أغلبية لأي حزب أو ائتلاف.
ويسعى بايرو حالياً إلى تمرير موازنة 2026 التي تتضمن إجراءات تقشفية بقيمة نحو 44 مليار يورو (51.2 مليار دولار)، تشمل تجميد الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والمعاشات، وكذلك تجميد شرائح الضرائب عند مستويات 2025. كما اقترح إلغاء عطلتين رسميتين، في خطوة مثيرة لرفض واسع.
شاهد أيضاً: فرنسا تتبع خطة لتقليص عجز الموازنة.. هل يصمد رئيس الوزراء؟
وتؤكد الحكومة أن هذه التخفيضات ضرورية للسيطرة على عجز بلغ 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وهو مستوى تقول إنه مرشح للارتفاع ما لم تُتخذ إجراءات صارمة. وتنص قواعد الاتحاد الأوروبي على وجوب استهداف نسبة عجز عند 3% للحد من تراكم الديون.
وفي الوقت نفسه، تباطأ نمو الاقتصاد الفرنسي إلى 1.2% في 2024 مقارنة بـ1.4% في العام السابق.
وقال بايرو في مؤتمر صحفي الاثنين إن اعتماد فرنسا على الديون أصبح «مزمناً»، مضيفاً: «بلدنا في خطر، لأننا معرضون لخطر المديونية المفرطة». وأوضح أن الدين العام ارتفع بمقدار تريليوني يورو خلال العقدين الماضيين، مشيراً إلى أن البلاد واجهت أزمات كالأزمة المالية العالمية في 2008، وجائحة كورونا، والحرب الروسية-الأوكرانية، وارتفاع معدلات التضخم، وأخيراً تأثير الرسوم الجمركية الأميركية. ودعا إلى أن يُحسم الخلاف حول الموازنة عبر نقاش منظم في البرلمان يتبعه تصويت، وليس عبر «صدامات في الشارع وإهانات».
لكن تصريحات قادة من حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، وحزب الخضر، والحزب الاشتراكي أوضحت أنه لا يوجد أي حزب مستعد لدعمه، ما يهدد بانهيار حكومته.
وقال بيير جوفيه، الأمين العام للحزب الاشتراكي، عبر منصة «إكس» الاثنين، إن الحزب سيصوّت ضد بايرو، مضيفاً أن الحكومة لا تحظى بثقة البرلمان ولا الشعب الفرنسي، مشيراً إلى أن الحزب سيطرح مقترحاته الخاصة للموازنة في الأيام المقبلة. أما جوردان بارديلا، رئيس حزب «التجمع الوطني»، فقال إن حزبه «لن يمنح الثقة أبداً لحكومة تجعل الشعب الفرنسي يعاني».
وكتب محللون في «دويتشه بنك» في مذكرة الثلاثاء: «في حال خسرت الحكومة تصويت الثقة، قد يسعى الرئيس ماكرون لتعيين رئيس وزراء جديد لتشكيل حكومة، يواجه على الفور تحدي تمرير موازنة 2026».
وأضافوا: «كبديل، يمكن لماكرون الدعوة إلى انتخابات مبكرة. وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى نتيجة مجزأة أخرى كتلك التي أسفرت عنها انتخابات صيف 2024 المبكرة، لكن مع تصدر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرته على تحويل هذا التقدم إلى أغلبية مطلقة هذه المرة».
اقرأ أيضاً: ماكرون يعلن عن خطة لتسريع الإنفاق العسكري في فرنسا إلى 64 مليار يورو بحلول 2027
وأشار المحللون إلى أن الفارق بين العائد على السندات الإيطالية لأجل عشر سنوات ونظيرتها الفرنسية انخفض إلى 9.8 نقطة أساس، وهو أدنى مستوى منذ عام 1999، في إشارة إلى أن المستثمرين باتوا يضعون نفس القدر تقريباً من المخاطر السياسية على البلدين. ففي 2022، بلغ الفارق 180 نقطة أساس.
وقال راينوت دي بوك، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأوروبية لدى «يو بي إس»، لـ «CNBC» إن دعوة بايرو للتصويت على الثقة كانت «مفاجأة» للأسواق، مضيفاً: «أعتقد أن هذا الأمر لم يُحتسب إطلاقاً في التقييمات، وقد يتحول إلى قصة كبيرة خلال الأسابيع المقبلة».
وأضاف: «في أوروبا حالياً، المسألة تتعلق بالإنفاق الذي يفوق ما كنا عليه قبل 10 إلى 15 عاماً.. التحدي أمام فرنسا هو أن عجز الموازنة لديها يبلغ نحو 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأعلى في منطقة اليورو، وهناك تساؤلات مفتوحة حول مدى نجاحها في خفض الإنفاق».
من جانبه، وصف إريك نيلسون، رئيس استراتيجية العملات لدى «ويلز فارغو»، التوقعات بالنسبة للأصول الفرنسية بأنها «غير مشجعة»، لكنه شدد على أن مصير حكومة بايرو لم يُحسم بعد.
وقال: «جزء من المشكلة أن الأسهم الأوروبية واليورو نفسه كانا من أبرز رهانات الزخم طوال العام. ما نراه في الأيام الأخيرة هو بعض التراجع عن تلك الرهانات، ومع المخاطر السياسية، قد نشهد مزيداً من التراجع».
وأضاف نيلسون: «لا أعتقد أن خروج بايرو أمر محسوم. لا يزال هناك بعض الغموض. لديه الكثير ليقدمه للمعارضة». ولفت إلى أن رئيس الوزراء الفرنسي كان قد لوّح سابقاً —وربما يتراجع الآن— عن خططه لإلغاء بعض العطلات الرسمية. وتابع: «من المؤكد أن ذلك سيتم سحبه من الطاولة. لذا، لم يُحسم الأمر بعد، لكن الحكومة تسير على خط رفيع للغاية، ومع الوضع الحالي لرهانات الأسواق الأوروبية، فإن المخاطر كبيرة».
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي