تواجه إندونيسيا مناخاً سياسياً متوتراً، وسط احتجاجات على ارتفاع تكاليف المعيشة ورواتب النواب وعنف الشرطة، الأمر الذي أثّر سلباً على معنويات المستثمرين في أكبر اقتصاد بجنوب شرق آسيا.
وتراجع مؤشر جاكرتا المركّب بنسبة وصلت إلى 3.6% يوم الاثنين، فيما هبطت الروبية الإندونيسية إلى مستوى 16,500 مقابل الدولار الأميركي، وهو أضعف مستوى يومي منذ الأول من أغسطس آب، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».
ورغم أن العنف والاحتجاجات هزّا ثقة المستثمرين، إلا أن محللين أكدوا أنها لن تغيّر الصورة الأساسية لنمو إندونيسيا. وأوضح هاو تشونغ وان، العضو المنتدب ورئيس الدخل الثابت الآسيوي لدى «برينسيبال» لـCNBC، أن موجة البيع الأخيرة كانت مدفوعة بـ«المعنويات» في ضوء التطورات التي شهدها عطلة نهاية الأسبوع، مضيفاً: «لا أعتقد أنها تغيّر القصة بشكل كامل في هذه المرحلة».
وتوقّع كريستوفر وونغ، محلل العملات لدى بنك «أو سي بي سي»، أن ضعف الروبية في الأجل القصير سيكون مؤقتاً وسينعكس مع تراجع حالة عدم اليقين المحلي، لكنه امتنع عن تقديم توقعات أكثر دقة نظراً للضبابية المرتفعة.
ولم يتضح ما إذا كانت التظاهرات في جاكرتا أو غيرها من المدن ستستمر يوم الاثنين، بعد أن ألغى بعض الطلاب ومجموعات المجتمع المدني الاحتجاجات لتجنب أي تصعيد عنيف من جانب السلطات.
اقرأ أيضاً: إندونيسيا تخطط لإنشاء صندوق سيادي للذكاء الاصطناعي
من جانبه، قال أري جاهجا، رئيس أبحاث إندونيسيا في «ماكواري كابيتال»، إن المستثمرين سيراقبون الخطوات الحكومية المقبلة لتلبية مطالب الشارع وتعزيز الثقة في السوق، مضيفاً: «على الجانب الإيجابي، قد تخرج إندونيسيا أقوى إذا ما نُفذت إصلاحات هيكلية».
كما رأت راديكا راو، الخبيرة الاقتصادية في «دي بي إس»، أن محركات النمو طويلة الأجل لإندونيسيا لا تزال قائمة، مشيرةً إلى أن المستثمرين سيتابعون أولويات الحكومة لتعزيز النمو وخلق الوظائف، مع توقّعها أن يُعاد توجيه جزء من خفض الإنفاق في جاكرتا لتخفيف البطالة.
وأضافت أن «بنك إندونيسيا» يمتلك مساحة واسعة للإبقاء على السياسة النقدية تيسيرية، متوقعة أن يتدخل سريعاً لتهدئة الأسواق ودعم الروبية عند الحاجة.
وبحسب بيانات «إل إس إي جي»، ارتفع العائد على السندات الحكومية الإندونيسية لأجل 10 سنوات إلى 6.335% يوم الاثنين، فيما استقر العائد على السندات لأجل 30 عاماً عند 6.850%.
خرج آلاف المتظاهرين في عدد من المدن الكبرى في الدولة الواقعة بجنوب شرق آسيا منذ نحو أسبوع، احتجاجاً على ارتفاع تكاليف المعيشة، وارتفاع معدلات البطالة، وما يعتبره كثيرون رواتب ومخصصات مبالغاً فيها لأعضاء البرلمان.
وقد أثارت استياءً واسعاً تقارير عن حصول النواب على بدلات سكنية تعادل عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور الشهرية، في وقت تعاني فيه الشرائح ذات الدخل المنخفض من تداعيات زيادات ضريبية وتسريحات وظيفية وارتفاع معدلات التضخم.
هذا الغضب الشعبي بسبب الضغوط الاقتصادية سرعان ما تحول إلى سخط أوسع بعد مقتل سائق دراجة نارية يعمل بالأجرة خلال تدخل للشرطة في أحد مواقع الاحتجاجات يوم الخميس الماضي، ما أشعل موجة من التظاهرات العنيفة في مدن عدة مطالبة بإصلاح جهاز الشرطة.
اقرأ أيضاً: إندونيسيا تتوقع تطبيق الرسوم بنسبة 19% قبل الأول من أغسطس
وتصاعدت حدة المواجهات على مدى عطلة نهاية الأسبوع، حيث هاجم محتجون منازل بعض النواب ونهبوا ممتلكات وأضرموا النيران في مبانٍ حكومية، بحسب تقارير إعلامية. وذكرت تقارير أن مئات الأشخاص اقتحموا منزل وزيرة المالية سري مولياني في مدينة تانغيرانغ الجنوبية واستولوا على مقتنيات.
وفي محاولة لتهدئة الشارع، أعلن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو يوم الأحد أن البرلمان سيصغي إلى مطالب المواطنين ويتجاوب معها، متعهداً بخفض المخصصات الكبيرة التي يحصل عليها النواب.
إندونيسيا، التي تُعد رابع أكبر اقتصاد في العالم من حيث عدد السكان البالغ 284 مليون نسمة، كانت تُعتبر من أكثر الاقتصادات استقراراً في المنطقة. غير أن الاحتجاجات الأخيرة، التي أودت بحياة ما لا يقل عن خمسة أشخاص وأصابت المئات، مثّلت أسوأ أزمة تواجه البلاد منذ تولي سوبيانتو السلطة قبل نحو عام.
وقال بوب هيريرا-ليم، المدير الإداري في شركة الاستشارات السياسية «تِنينو»، إن هذه اللحظة تمثل اختباراً حاسماً لنهج الرئيس في التعامل مع المعارضة، مشيراً إلى أن استمرار التنازلات في الشارع قد يعطي انطباعاً بأنه يفسح المجال أمام معارضة شعبية لتحدي حكومته.
وحذّر الرئيس من أنه سيتم التعامل بحزم مع المتظاهرين العنيفين، قائلاً: «لا يمكننا إنكار أن هناك بوادر لأفعال خارج إطار القانون، وبعضها قد يصل إلى الخيانة والإرهاب»، مضيفاً أنه وجّه الجيش والشرطة لاتخاذ إجراءات صارمة ضد مثيري الشغب واللصوص.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي