مع تصاعد الضغوط الاقتصادية.. هل تستطيع بيلاروسيا الخروج من العباءة الروسية؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

يتعرض اقتصاد بيلاروسيا إلى عدد من المشكلات المتفاقمة خلال الفترة الأخيرة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في فبراير/ شباط 2022، حتى الآن، في حين بدأت البلاد في اتخاذ بعض الخطوات التي تشير إلى رغبة إدارتها إلى الخروج من الظل الروسي ولو بشكل جزئي في ظل معاناتها الاقتصادية.

ورغم نمو الاقتصاد البيلاروسي خلال العامين الماضيين بنحو 4% بسبب انتعاشة بفضل الطلب على السلع من الروس والتدفقات النقدية من موسكو، وذلك بعد انكماشه بنسبة 4.7% في 2022 مع تراجع الاقتصاد الروسي، فإن المشكلات الاقتصادية عادت لتطل برأسها من جديد هذا العام. وكان أحد أبرز مظاهر الأزمة نقصاً غير متوقع في البطاطس - التي تعد الخبز الثاني في البلاد - خلال الربيع الماضي.

أيضاً يعاني الاقتصاد البيلاروسي من التضخم المرتفع، ونقص العمال. وتباطأ نمو الناتج المحلي للبلاد إلى 2.1% في النصف الأول من العام الجاري رغم أنه لا يزال أعلى من مستويات ما قبل الحرب، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

 


اقرأ أيضاً: هل قدمت روسيا تنازلات كبيرة للوصول إلى اتفاق السلام في أوكرانيا؟


 

السير في الظل الروسي

 

كان الاقتصاد البيلاروسي انعكاساً لنظيره الروسي. فعلى الرغم من انخفاض احتياطي النفط الخام البيلاروسي من النفط الخام فإن سعر الصرف والإيرادات الحكومية يستجيبان لتقلبات أسعار النفط، وذلك في ظل أن المنتجات النفطية المكررة تعد من أهم صادراتها. 

وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، تراجع الناتج المحلي الإجمالي لبيلاروسيا تزامناً مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لجارتها الروسية.

أيضاً خلال فترة حكم مستمرة منذ 31 عاماً، كان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بارعاً في المناورة بين موسكو والغرب، من خلال وعوده الدورية بإجراء إصلاحات ديمقراطية في العقد الأول من القرن الحالي، لكن الدعم الروسي ساعد لوكاشينكو على الاستمرار في تشديد قبضته على السلطة.

ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية تخلت بيلاروسيا تخليها عن سياستها الرسمية بالحياد، وأعلنت دعمها لروسيا وساعدتها في تسهيلات الحرب.

 

الصدمة الاقتصادية مع اندلاع الحرب ثم التحول

 

تعرض الاقتصاد البيلاروسي لأكبر صدمة له منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وذلك في ظل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو مما أثر على الاقتصاد الروسي. في الأشهر التي تلت ذلك، تحولت مئات الشركات والمؤسسات الحكومية في بيلاروسيا إلى حالة حرب، مع تزويدها للجيش الروسي بكل شيء من الذخيرة إلى الرقائق الدقيقة، وهياكل المركبات المدرعة، والزي الرسمي، وحقائب الظهر، والنقالات.

ومع مرور الوقت استفادت بيلاروسيا أيضاً من زيادة الطلب من المدنيين في روسيا، في ظل فجوة السوق التي تركها خروج العلامات التجارية الأجنبية. واستغلت الشركات البيلاروسية هذه الفجوة في التدخل وزيادة فرصها في السوق الروسية، وهو ما أدى إلى توفير المزيد من فرص العمل.

أيضاً زادت الأجور في بيلاروسيا في عدد من القطاعات المرتبطة بالاحتياجات الروسية، وسعى أصحاب العمل إلى تلبية الطلب. وأدى ارتفاع الدخل بنسبة 32% منذ بداية الحرب، إلى جانب انخفاض معدلات الفائدة، إلى ازدهار سوق العقارات في ظل غياب خيارات استثمارية أخرى موثوقة.

 


شاهد أيضاً: لاجئو بيلاروسيا ..الفقر يدفع الآلاف للوقوع ضحية الخلافات الروسية الأوروبية


 

مشكلات اقتصادية متفاقمة

 

تعد إحدى أكثر التحديات الاقتصادية صعوبة التي تواجه بيلاروسيا منذ ذلك الوقت تتمثل في نقص العمالة. وبحسب البيانات الرسمية، تراجع عدد سكان البلاد بأكثر من 250 ألف نسمة، أي بنسبة 2.5%، خلال السنوات الخمس الماضية ليصل إلى 9.2 مليون نسمة. وقد يصل عدد من غادروا الدولة إلى 600 ألف نسمة، أي ما يعادل نحو عُشر القوى العاملة، بحسب محللين.

وتشهد بيلاروسيا في الوقت الحالي عدداً من الوظائف الشاغرة يفوق عدد العاطلين عن العمل المسجلين رسمياً بنحو 50 ضعفاً. ورغم أن الإحصاءات لا تتضمن جميع العمال المحتملين، فإن الفجوة شاسعة.

ويشهد عدد سكان بيلاروسيا تراجعاً كبيراً منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي، ولكن ليس بسرعة الوتيرة المسجلة بعد انتخابات عام 2020، التي شهدت بعض الاضطرابات. 

ورغم صمود الاقتصاد، فإن المشكلات التي يتعرض لها تتراكم. حاول الرئيس البيلاروسي مواجهة مشكلة نقص العمالة، مبرماً اتفاقية مع باكستان في أبريل/ نيسان من العام الحالي لاستقبال نحو 150 ألف مهاجر. كما عمل على تشجيع المواطنين على زيادة الإنجاب من خلال تصريحاته الإعلامية.

 


اقرأ أيضاً: بوتين: نمو متسارع للاقتصاد الروسي بنسبة 4.3 % رغم المصاعب


 

مشكلة أخرى بارزة واجهت اقتصاد بيلاروسيا تمثلت في التضخم، الذي تضاعف تقريباً في عام 2022، وبلغ ذروته عند 18% في يوليو/ تموز من ذلك العام. ولاحتواء زيادة الأسعار، فرض لوكاشينكو في عام 2022 حظراً على رفع أسعار مئات السلع، وذلك في أشد الضوابط الاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

واختار العديد من أصحاب الأعمال لعبة القط والفأر مع الدولة. وشملت الحلول المبتكرة بيع الخيار والطماطم معاً كـ"سلطة" على سبيل المثال، وتحويل سلع أولية إلى أشكال أخرى مركبة لتجنب التسعير الإجباري، إلى جانب تصدير أكبر قدر ممكن من السلع المسعرة محلياً، لا سيما إلى روسيا، مما فشل في تخفيف النقص المحلي في العديد من المحاصيل، بما في ذلك البطاطس.

ومع تلك التطورات، توسعت الدولة في مرسوم ضبط الأسعار، الذي تحول إلى عدة مجلدات مع إضافة المزيد من المنتجات لسياسة الأسعار الجبرية. كما حظرت الدولة تصدير البطاطس في أواخر عام 2024، لكن المنتجين لجأوا إلى تصنيف عالية الجودة منها على أنها فاسدة وشحنها على أي حال.

 

الخروج من دائرة روسيا

 

مع المعاناة من المشكلات الاقتصادية وتراكم العواقب السلبية بدأ البعض في بيلاروسيا يشكك في موقف لوكاشينكو من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأتاح توجه مينسك إلى الصين سبيلاً لتنويع الاقتصاد دون استفزاز الكرملين، لكن بكين لا تعتبر بديلاً حقيقياً بسبب أن التجارة لا تزال تمر عبر الأراضي الروسية، كما أن التعاون الموسع لا يزال بعيد المنال، بحسب ما قاله الباحث غير المقيم في مركز كارنيغي روسيا أوراسيا، أرتيوم شرايبمان لفايننشال تايمز.

وقال دبلوماسي غربي رفيع المستوى للصحيفة، إن الرئيس البيلاروسي لم يكن أمامه خيار سوى العودة إلى "الدائرة المعتادة" من المناورات بين روسيا والغرب. وبينما كان لوكاشينكو متردداً في التواصل مع القادة الغربيين، ربما بسبب مزيج من الحسابات الداخلية وضغوط روسيا، فقد تغير المزاج في مينسك أواخر الصيف الماضي.

وبحسب ما قاله الدبلوماسي الغربي، بدأ الرئيس البيلاروسي في السعى إلى "نوع من إعادة التأهيل وتخفيف العقوبات، بما في ذلك عودة شركة الطيران الوطنية إلى تسيير رحلات تجارية". 

وأضاف الدبلوماسي، للصحيفة البريطانية، أن لوكاشينكو ربما كان يرغب أيضاً في الحصول على قطع غيار وخدمات لأسطول طائرات البلاد. "لقد أوضحنا أن إطلاق سراح السجناء السياسيين هو ثمن الدخول في أي محادثات".

 


اقرأ أيضاً: تداعيات العقوبات الغربية تتصاعد على الاقتصاد الروسي وعائدات التجارة.. ماذا يحدث؟


 

التودد إلى الغرب

 

مع تركيز الاهتمام الغربي على روسيا باعتبارها التهديد الأكبر، يحاول لوكاشينكو الحرص على إظهار أن بيلاروسيا ليست مجرد بيدق في يد الرئيس الروسي. وكجزء من هذه العملية، أُطلق سراح عدد من السجناء السياسيين.

لكن من غير الواضح ما إذا كانت عروض الرئيس البيلاروسي للمساعدة في رأب الصدع مع الولايات المتحدة كافية لإقناع القادة الغربيين بتخفيف العقوبات - خاصة مع وجود شخصيات معارضة إما في المنفى أو في السجن.

وبحسب فايننشال تايمز، يقول المحللون إن الحفاظ على السيادة بالنسبة للرئيس البيلاروسي لا يقل أهمية عن الحفاظ على علاقات قوية مع الجارة الأكبر.

ومنذ تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التقى لوكاشينكو مع نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون أوروبا الشرقية كريستوفر سميث خمس مرات، كما قال رئيس بيلاروسيا في مقابلة مع مجلة تايم الأميركية. 

وفي شهر يونيو/ حزيران، أدت زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي إلى أوكرانيا، كيث كيلوج، إلى مينسك إلى إطلاق سراح المعارض سيرجي تسيخانوسكي، الذي تم نفيه إلى خارج البلاد ضمن عملية الإفراج.

وبحسب ما نقلته فايننشال تايمز عن دبلوماسي غربي، فإن الرئيس البيلاروسي، الحريص على إعادة إظهار نفسه دولياً كأكثر من مجرد وكيل للكرملين، كان "يسعى إلى القيام بلفتة".

وفي الوقت الذي يسعى فيه ترامب للتوسط في السلام بين موسكو وكييف، يبدو التوقيت مناسباً. فقد عرض لوكاشينكو نفسه على الأميركيين كمدرب للتعامل مع بوتين، والعمل أحياناً كوسيط، وفقاً لمقابلته مع مجلة تايم.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة