حذّر صناع الصلب الأوروبيون من أنّ القطاع يواجه خطر الانهيار تحت ضغط المنتجات الصينية الرخيصة والرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مطالبين بروكسل بفرض رسوم شبيهة بتلك الأميركية على جميع واردات المعدن.
وقالت إيلزه هِنه، المسؤولة التنفيذية البارزة في شركة «تيسنكروب» الألمانية، لصحيفة «فايننشال تايمز»: «نحن بحاجة إلى الحماية، وإلا فلن نتمكن من البقاء كصناعة صلب».
وكان قطاع الصلب الأوروبي يعاني بالفعل من صعوبة المنافسة مع الواردات الصينية منخفضة الكلفة وارتفاع أسعار الطاقة، حتى قبل أن يفرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 50% على صادرات أوروبا من الصلب إلى أميركا في وقت سابق من هذا العام. كما أثارت الرسوم الأميركية المفروضة على دول أخرى، خصوصاً الصين، مخاوف من تدفق كميات أكبر من الصلب الرخيص إلى السوق الأوروبية بعدما أُغلق أمامها السوق الأميركية.
ورفضت هِنه، بصفتها رئيسة مجلس الإشراف على قسم الصلب في «تيسنكروب»، تحديد مستوى الرسوم المناسب على الواردات إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها حذّرت من أنّ حجم الواردات لا يزال في ارتفاع رغم ضعف الطلب المحلي.
وكانت فرنسا وعشرة بلدان أوروبية أخرى قد اقترحت في وقت سابق فرض رسوم بنسبة 50% على الواردات التي تتجاوز حداً معيناً، بهدف تقليص حجمها إلى النصف.
اقرأ أيضاً: 88 دولة تعلق خدمات البريد مع أميركا بسبب الرسوم الجمركية
وأشارت هِنه إلى أنّ قطاعات صناعية أوروبية محورية مثل صناعة السيارات تعتمد على الصلب الأوروبي عالي الجودة، متسائلة: «هل نريد أن نُنتج السيارات في أوروبا؟ نعم أم لا؟ وهل نريد أن نُنتجها باستخدام الصلب الأوروبي؟ نعم أم لا؟ إذا كان هذا ما نريده لأسباب عديدة... فعلينا أن نتخذ قرارات».
ويُعدّ قطاع الصلب الأوروبي من الصناعات الثقيلة الاستراتيجية التي ركّزت عليها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في إطار مساعيها لوقف التراجع الاقتصادي الأوسع نطاقاً في الاتحاد.
ووفقاً لاتحاد منتجي الصلب الأوروبي «يوروفر»، اضطرت شركات الصلب في أوروبا إلى خفض 18 ألف وظيفة خلال عام 2024، ليرتفع إجمالي عدد الوظائف المفقودة منذ عام 2008 إلى نحو 90 ألفاً.
وتعهّدت المفوضية الأوروبية بالكشف هذا الشهر عن إجراءات حماية جديدة للقطاع، لكنها لم تعلن بعد عن تفاصيلها. وكانت قد فرضت رسوماً بنسبة 25% على واردات الصلب عام 2019، خلال الولاية الأولى لترامب، إلا أنّ هذه الإجراءات خُفّفت تدريجياً لاحقاً.
وبحسب «يوروفر»، استورد الاتحاد الأوروبي العام الماضي 28 مليون طن من الصلب، أي ما يعادل ربع إجمالي المبيعات، وهو ضعف الكمية المسجّلة في 2012/2013 حين بدأت الصين بتصدير المعدن بكثافة. كما يتوقع القطاع أن يخسر معظم صادراته البالغة 3.8 مليون طن سنوياً إلى السوق الأميركية نتيجة الرسوم الجديدة.
وطالبت فرنسا والدول الأوروبية العشر الأخرى، ومن بينها إيطاليا وإسبانيا، بتطبيق قاعدة «الذوبان والصب» المعتمدة في أميركا، لمنع إعادة توجيه الصلب الصيني عبر دول وسيطة بغرض الالتفاف على الرسوم.
وكانت المفوضية تأمل في خفض الرسوم الأميركية على الصلب والألمنيوم ضمن اتفاق تجاري إطاري مع واشنطن تم التوصل إليه في يوليو تموز الماضي، غير أنّ هذه الرسوم ما زالت قائمة. وأعلن الجانبان مواصلة المحادثات بشأن سبل معالجة فائض الإنتاج العالمي، لكن شركات الصلب الأوروبية لا تعوّل على إحراز تقدم سريع.
وفي رسالة بعث بها «يوروفر» هذا الشهر إلى فون دير لاين، قال الاتحاد: «من المستبعد جداً أن تمنح الولايات المتحدة أي حصص جمركية أو إعفاءات جوهرية في المستقبل القريب، إن منحتها أصلاً»، مؤكداً أنّ «قطاع الصلب الأوروبي هو الأكثر تضرراً بين جميع القطاعات الصناعية في الاتحاد».
اقرأ أيضاً: إدارة ترامب توسّع نطاق المنتجات الخاضعة للرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم
ويقترح «يوروفر» نظام حصص للاستيراد المعفى من الرسوم بالنسبة للمنتجات التي يحتاجها الاتحاد، على أن تُفرض رسوم مرتفعة ورادعة على أي واردات تتجاوز هذه المستويات. وأضاف: «إن اعتماد آلية أوروبية فعّالة قائمة على الطاقة الإنتاجية سيحمي صناعة الصلب الأوروبية ويمنحها فرصة لمواصلة مسار إزالة الكربون، كما سيُظهر للولايات المتحدة أنّ الاتحاد يشارك في الجهود الرامية إلى التصدي لفائض الإنتاج العالمي».
وقال أولوف غيل، المتحدث الرسمي المساعد للمفوضية: «تنوي المفوضية اعتماد لائحة تنظيمية بنهاية هذا الربع لتقييد حجم الصلب الذي يمكن استيراده إلى الاتحاد الأوروبي». وأضاف أنّ المحادثات مع الولايات المتحدة مستمرة بشأن «حلّ قائم على نظام الحصص الجمركية لصادرات الاتحاد من الصلب والألمنيوم ومنتجاتهما المشتقة».
ويخضع قسم الصلب في «تيسنكروب» —الذي كان يوماً ركناً أساسياً من أركان القوة الصناعية الألمانية— لعملية إعادة هيكلة مؤلمة، إذ أعلنت الشركة خططاً لخفض طاقتها الإنتاجية وتقليص عدد موظفيها بمقدار 11 ألف وظيفة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي