كيف يصف محللون غربيون حالة المرحلة الانتقالية في سوريا بعد 9 أشهر من سقوط الأسد؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

 

مرّت قرابة تسعة أشهر منذ سقوط الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، من بلاده، وفراره إلى روسيا، منهياً بذلك حكم عائلته الذي دام عقوداً.

ومنذ توليها السلطة، بعد هجوم مباغت وكاسح في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، واجهت الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع تحديات هائلة، ما بين المعضلات الداخلية المرتبطة بإعادة إعمار البلاد وإدارة التوترات المختلفة، وحتى العلاقات الخارجية.

في هذا السياق، يستعرض محللون غربيون مدى التقدم الذي أحرزته إدارة الشرع في تحقيق أهدافها المتمثلة في إنعاش الاقتصاد، ومركزية الحكومة، وضمان أمن البلاد، وذلك في قراءات تحليلية لخبراء المجلس الأطلسي (منتدى للسياسيين ورجال أعمال ومفكرين عالميين) زاروا دمشق مؤخراً ونقلوا رؤاهم الميدانية.

 

التحدي الأكثر إلحاحاً

 

في تحليل مدير مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط في برنامج الشرق الأوسط، جوناثان بانيكوف، فإنه يرى أن "التحدي الأكثر إلحاحاً الذي يواجه الرئيس الشرع هو توحيد فئات الشعب، الدينية والعرقية.

ويشير إلى أن ثمة طريقا صعبة ولكنها حقيقية لسوريا للخروج من خرابها الاقتصادي الحالي، وعدم استقرارها السياسي، وتهديداتها الأمنية المستمرة، بما في ذلك من داعش، مضيفاً: "لكن نشوة سقوط الأسد تبددت أمام الحقائق المؤلمة المرتبطة بإعادة بناء دولة ممزقة بشدة".

ويشدد على أنه يتعين على دمشق أن تُدمج وتُوحّد بشكل هادف الفصائل والشرائح السكانية العديدة التي لا ترغب في الانضمام إلى نسيج الدولة السورية الأوسع، وخاصةً تلك التي تُدار مركزياً من قِبل الشرع ورفاقه السابقين من جماعة هيئة تحرير الشام.
ويركز حديثه على "الدروز في الجنوب، والعلويون في الغرب، والأكراد في الشمال الشرقي، والمسيحيون في جميع أنحاء البلاد" ويقول إنهم من بين المُشككين والمُعادين للحكومة السورية الجديدة، غير المُقتنعين بأنها ستحمي حقوقهم حقًا وتضمن لهم صوتاً مُساوياً.

وفق بانيكوف، فسيتعين على دمشق "إما إقناعهم بقبول حكومة مركزية، أو القبول على مضض بنموذج أكثر اتحادية"، موضحاً أن الوقت ليس في صالح الحكومة، وكلما طال أمد الوضع دون حل، زاد احتمال استمرار العنف، مما سيقوض هدف الشرع في طي صفحة الحرب الأهلية السورية وإعادة دمج البلاد في المجتمعين العربي والعالمي الأوسع.

 

التحالف ضد الإرهاب

 

بينما الباحث في المجلس، أليكس بليتساس، والذي يترأس مشروع مكافحة الإرهاب في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس، يقول في شهادته: "كنتُ في دمشق الأسبوع الماضي، والتقيتُ بكبار الوزراء السوريين.. خلال زيارتي، شهدتُ عن كثب ثقافةً علمانيةً تمارس فيها الأقليات الدينية شعائرها الدينية بحرية، وتتعايش فيها الطوائف بسلام، وتُعامل النساء بكرامة، بحريةٍ في ارتداء ما يحلو لهن دون أي شكلٍ من أشكال الإجبار على الالتزام الديني.. تُشكّل بيئة التسامح هذه أساساً هاماً يُمكن للحكومة السورية الجديدة البناء عليه في سعيها إلى اكتساب الشرعية داخلياً وخارجياً".

لكنه بموازة ذلك يقول إن ما ينبغي على سوريا فعله تالياً هو الانضمام إلى التحالف العالمي لهزيمة داعش، وهو مجموعة قوية تضم قرابة تسعين عضواً ملتزمة بمحاربة التنظيم الإرهابي، مؤكداً أنه بانضمامها إلى التحالف العالمي لهزيمة داعش، يمكن لسوريا أن تُعزز التزامها بالتعددية من خلال التصدي الحازم للعناصر المتطرفة التي تُهدد استقرارها.

ويتابع: "لا تزال خلايا داعش نشطة في أجزاء من البلاد، مما يُقوّض الأمن ويمنع النازحين السوريين من العودة إلى ديارهم.. ومن شأن التعاون مع التحالف أن يُتيح الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية والتدريب والتنسيق، مما قد يُعجّل بهزيمة التنظيم".

ويقول إن الاستقرار ضروري أيضاً لمستقبل الاقتصاد السوري؛ فبدون تحسن الوضع الأمني، لن يتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد بالقدر اللازم لإعادة إعمار حقيقية. ولن تعزز شراكة موثوقة في مكافحة الإرهاب أمن البلاد، ولن تُشير في الوقت نفسه إلى استعداد سوريا لإعادة الانخراط اقتصاديًا.

"علاوة على ذلك، قد تعزز عضوية التحالف الثقة مع

 بإظهار جدية دمشق في مواجهة الجماعات التي تزعزع استقرار المنطقة، كما تفتح الباب أمام شراكة أوسع مع الولايات المتحدة"، بحسب الباحث في المجلس، والذي يضيف: "في الوقت نفسه، من شأن التعاون ضد داعش إلى جانب الدروز وقوات سوريا الديمقراطية أن يعزز موقف الحكومة في سعيها إلى تحقيق الوحدة السلمية والحكم الشامل".

 

تحويل سوريا إلى قوة إيجابية

 

نائب مدير مبادرة N7 ، وهي شراكة بين المجلس الأطلسي ومؤسسة جيفري م. تالبينز مكرسة لتعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية والإسلامية، غيرشوم ساكس، يقول في شهادته التي نشرها المجلس عبر موقعه الإلكتروني، إنه لدى سوريا في عهد الشرع فرصةٌ لتغيير الشرق الأوسط، إذا استطاع هو والغرب اغتنامها.

"لقد أعربت الحكومة الجديدة عن رغبتها في السلام والأمن الإقليميين، والتوافق مع الغرب في القضايا الجوهرية، فهي تريد منع إيران من استخدام سوريا منصةً للفوضى، وتفكيك شبكات إمداد حزب الله، والتصدي لخلايا داعش المتبقية. وهي تسعى إلى إبرام اتفاقية أمنية مع إسرائيل من شأنها أن تُعيد الهدوء إلى حدودها الجنوبية، وأن تُعيد العلاقات يومًا ما، في ظل الظروف المناسبة"، وفق ساكس.

 



 

ويضيف: "هذه سوريا الجديدة في متناول اليد، لكنها تتطلب قيادةً جريئة، وأن يُرسّخ الغرب نفسه كشريكٍ مُفضّل لسوريا، مما يُساعد على زيادة فرص نجاح الشرع".

ويعتقد بأنه "لزيادة هذه الفرص، ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها - وإسرائيل، حال التوصل إلى اتفاق أمني - اتخاذ خطوات لتعزيز التعاون الأمني والعسكري ومكافحة الإرهاب"، منبهاً إلى أن الرئيس الشرع "سيحتاج إلى مساعدة في مواجهة التهديدات التي قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، وخاصة أنشطة داعش والتنسيق المستمر بين إيران وحزب الله".

وفي تقديره، فإن من شأن ذلك أن يعزز الأمن الداخلي السوري، ويمنع تفاقم عدم الاستقرار في بلاد الشام، وخاصة لبنان، ويعزز شرعية الشرع في سعيه لإعادة توحيد البلاد، مضيفاً: "ولعل الأهم من ذلك كله، أن هذا سيمنح الغرب فرصة لبناء الثقة، وفض النزاعات، واختبار قدرة الأجهزة الأمنية السورية على ترسيخ مصالحها في دمشق".

ويتابع: "في الوقت نفسه، يحتاج الاقتصاد السوري بشدة إلى الاستثمار. ينبغي على الغرب الاستثمار في الصناعات التي من شأنها مساعدة سوريا على إعادة الإعمار، بما في ذلك صناعة الإسمنت والنقل والخدمات اللوجستية والتمويل.. وينبغي على شركاء سوريا التطلع إلى دعم القطاعات التي تدعم ازدهار البلاد، مثل محطات الطاقة، والطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والبتروكيماويات، والتقنيات المتقدمة".

ويمكن لهذه الاستثمارات أن توفر فرصًا فريدة للشركات الأميركية وتدعم الاقتصاد السوري، بحسب ساكس، الذي يستطرد قائلاً: يُعد قرار إدارة ترامب في يونيو/حزيران برفع العقوبات خطوة أولى جيدة، ولكن يقع على عاتق الغرب مسؤولية تشكيل هذا التعاون وترسيخ مصالحه في دمشق.  

هذا المستقبل، في تقديره، لن يكون ممكناً إلا إذا استطاعت سوريا بناء الثقة مع المجتمع الدولي، ودمج الأقليات وحمايتها بشكل أفضل، ومنع تكرار المشاهد المقلقة التي شهدتها السويداء في يوليو/تموز.

ويشدد على أنه على دمشق إيجاد صيغة مناسبة لحكم الدروز والأكراد والعلويين، وإتمام الاتفاق الأمني مع إسرائيل، بما في ذلك الممر الإنساني إلى السويداء.. ويرى أيضاً أنه على إسرائيل من الجانب الآخر أن تمنح الشرع مساحةً للمناورة لإتمام الاتفاق بتجنب الهجمات على أهداف النظام، مثل وزارة الدفاع في يوليو/تموز والعسكريين السوريين.

 



 

تفاؤل حذر

 

وفي شهادته، يقول إبراهيم الأصيل، هو قائد مشروع سوريا لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي: "عند وصولي إلى دمشق لدراسة المرحلة الانتقالية والتواصل مع الجهات الفاعلة المحلية والمسؤولين الحكوميين، شعرتُ بعزمٍ وهشاشةٍ في آنٍ واحد".

ويفسر ذلك بقوله: تُعاد بناء الوزارات التي أنهكتها سنوات الحرب والعقوبات من الصفر تقريباً.. وقد تطوع التكنوقراط وقدامى المحاربين في القطاع الخاص لخدمة الدولة، ويعملون لساعاتٍ طويلةٍ بمواردٍ شحيحةٍ لاستعادة الخدمات الأساسية والمصداقية.. ومع ذلك، فإن الصورة أكثر تعقيداً، والتحديات تتجاوز بكثير البيروقراطية المُجوّفة: فالشرعية الهشة، والأحداث الداخلية العنيفة، والديناميكيات الإقليمية المعقدة تُشكّل عقباتٍ عميقةً وخطيرة"، على حد وصفه.

وينقل عن المسؤولين الذين تحدث إليهم تأكيداتهم على أهمية "الاستقرار" من أجل احتواء تنظيم داعش ومنع تجزئة سوريا، ومع ذلك لا يزال هذا الاستقرار يُقوّض من قبل القوى الأجنبية التي تدعم فصائل مختلفة.

كما لا تزال المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد متوترة حيث تسعى الحكومة إلى الاندماج الكامل. بينما على الجانب الكردي، يتعمّق انعدام الثقة في استعداد دمشق لتقاسم السلطة وضمان الأمن، وتزيد الضربات الإسرائيلية من الشعور بالضعف. وحتى مع تأكيد المسؤولين السوريين على الشمولية، تكشف المحادثات في الشوارع عن انقسامات باقية (..).

ويرى أن الجهود الاقتصادية تعكس هذا التناقض بين الطموح والقيود، إذ تسعى وزارة الاقتصاد إلى استقطاب المستثمرين، ووضع خريطة استثمارية، والسعي إلى مبادرات التمويل الأصغر وبناء القدرات، إلى جانب المشاريع الضخمة. فيما يُقرّ المسؤولون صراحةً بالآثار الدائمة للعقوبات، بينما يُشيدون باسترداد الأصول والشراكات بين القطاعين العام والخاص. ومع ذلك، لا تزال مخاوف الشفافية، التي يُثيرها المستثمرون ورواد الأعمال مراراً وتكراراً، تُشكّل عقبة كبيرة أمام جذب الاستثمارات المستدامة.

 


 

وفي ختام شهادته، يشدد على أنه يسود جو من الحذر، لكنه متطلع إلى المستقبل، مردفاً: "صحيح أن عملية الانتقال في سوريا ليست منظمة ولا آمنة، لكنها تُمثل فرصة نادرة لإعادة بناء المؤسسات وإعادة التوازن السياسي، بما يحمل في طياته من فرص ومخاطر على حد سواء".

 

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة