أوقفت الصين شراء رقائق الذكاء الاصطناعي من شركة إنفيديا، بحسب ما أفادت به تقارير، مما أدى إلى استبعادها تماماً من السوق، وذلك في إجراء يعتقد خبراء الصناعة أنها تعكس الثقة المتزايدة من بكين في شركات تصنيع الرقائق المحلية، وسعياً منها لكسب نفوذ تجاري.
أعلن الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا جنسن هوانغ، قبل أشهر فقط، من الصين، أن الولايات المتحدة ستتيح له استئناف مبيعات وحدات معالجة الرسومات H20 المصنوعة خصيصاً للصين، مُتراجعة عن وقف سابق لصادراتها.
في ذلك الوقت، كشف هوانغ أيضاً عن وحدة معالجة الرسومات RTX Pro الجديدة من الشركة للسوق الصينية، والتي تم تصميمها بشكل خاص للمصانع الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والخدمات اللوجستية.
لكن انقلبت حظوظ إنفيديا الشهر الماضي، عندما أُفيد بأن الجهات التنظيمية في الصين بدأت في إلزام شركات التكنولوجيا بوقف شراء وحدات معالجة الرسومات H20 من إنفيديا في انتظار مراجعة أمنية وطنية.
وبعد توسيع نطاق هذا الإجراء ليشمل شريحة RTX Pro 6000D من إنفيديا، أصبح من الصعب على الشركة بيع أي منتجات للعملاء الصينيين، بحسب تقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز يوم الأربعاء.
ويأتي ذلك بعد أن أعلنت الجهات التنظيمية الصينية يوم الاثنين أن إنفيديا انتهكت قانون مكافحة الاحتكار في البلاد، بحسب تحقيق أولي، وأكدت أنها ستواصل تحقيقها.
في حين أن الدوافع الدقيقة لإجراءات الصين ضد إنفيديا لا تزال غير واضحة، يعتقد محللون تقنيون وجيوسياسيون أن التطورات تُظهر أن الصين أصبحت أكثر ثقة في قدرتها على تصنيع رقائق الذكاء الاصطناعي، وأنها تستخدم ذلك كورقة ضغط ضد الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: الصين تطلب من شركات التكنولوجيا التوقف عن شراء رقائق الذكاء الاصطناعي من إنفيديا
تشجيع شركات الذكاء الاصطناعي الصينية
كانت الأسباب المعلنة لتدخل الجهات التنظيمية الصينية في H20 هي الحاجة إلى مراجعة للأمن القومي بسبب المخاوف من إمكانية تجهيز رقائق إنفيديا بأنظمة تتبع معينة - وهي فكرة اقترحها المشرعون الأميركيون.
ووصف الخبراء هذه الخطوة بأنها جزء من جهود بكين التي تهدف إلى تشجيع شركات الذكاء الاصطناعي الصينية على استكشاف البدائل المحلية، على الرغم من أنهم توقعوا أن تتم الموافقة على الصادرات في نهاية المطاف نظراً للطلب المرتفع من شركات الذكاء الاصطناعي الصينية.
في الوقت نفسه، ذكرت بعض شركات الذكاء الاصطناعي في الصين أنها ستطلب عشرات الآلاف من شرائح RTX Pro 6000D، وبدأت أعمال الاختبار والتحقق مع موردي خوادم إنفيديا حتى طُلب منهم وقف هذه الأنشطة، بحسب ما أوردته صحيفة فايننشال تايمز.
ومنعت الجهات التنظيمية في الصين الوصول إلى تلك الشرائح من إنفيديا بعد استدعاء مصنعي رقائق الذكاء الاصطناعي المحليين وخلصوا إلى أنهم حققوا أداءً يضاهي منتجات الشركة الأميركية المصنوعة بشكل خاص للصين، وفقاً للصحيفة البريطانية.
ومع ذلك، فإن الأداء ليس التحدي الوحيد الذي يواجه رقائق الذكاء الاصطناعي الصينية. إذ يؤكد محللون أن الطاقة الإنتاجية تُشكل أيضاً أحد أهم العوائق الرئيسية، بينما لا تزال الصناعة المحلية غير قادرة على إنتاج ما يكفي من الشرائح على نطاق واسع.
وتشير صحيفة فايننشال تايمز إلى أن بكين أصبحت أكثر ثقة في هذا المجال، مع سعي شركات تصنيع الرقائق المحلية إلى مضاعفة إجمالي إنتاج البلاد من معالجات الذكاء الاصطناعي ثلاث مرات في عام 2026.
وقال كبير المحللين المعنيين بشؤون أشباه الموصلات الصينية في شركة بيرنشتاين، تشينغ يوان لين: "تُظهر جميع هذه الإجراءات الأخيرة أن الصين أصبحت أكثر ثقة في قطاعها المحلي مما كانت عليه في السابق".
اقرأ أيضاً: رئيس إنفيديا يعبّر عن «خيبة أمله» بعد تقارير عن حظر الصين رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بها
هل تقدم الرقائق في الصين كافياً للاستغناء عن إنفيديا؟
هناك بعض الدلائل التي تشير إلى تقدم منظومة الذكاء الاصطناعي في الصين خلال الفترة الأخيرة. وأعلنت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي يوم الخميس عن بنية تحتية جديدة لحوسبة الذكاء الاصطناعي باستخدام رقائق Ascend الخاصة بها، مدّعيةً أنها ستكون "الأقوى في العالم".
في أبريل/ نيسان، وجدت شركة الأبحاث SemiAnalysis أن أحدث جيل من نظام CloudMatrix من هواوي تمكّن من التفوق على نظام حوسبة الذكاء الاصطناعي المنافس من إنفيديا في بعض المقاييس - على الرغم من أن كل رقاقة Ascend لا تقدم سوى ثلث أداء معالج إنفيديا تقريباً. وبنت هواوي ميزتها من خلال ربط خمسة أضعاف عدد الرقائق معاً.
في غضون ذلك، لمّحت شركة ديب سيك الصينية الناشئة للذكاء الاصطناعي، في أغسطس/ آب إلى أن أحدث نموذج ذكاء اصطناعي لديها سيكون متوافقاً مع رقائق الذكاء الاصطناعي "الجيل القادم" المُصنّعة محلياً في البلاد.
أيضاً أفادت تقارير بأن شركتي علي بابا وبايدو الصينيتين بدأتا في استخدام رقائق مُصممة داخلياً للمساعدة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بهما، لتحل محل جزئياً تلك التي تُصنّعها إنفيديا.
ورغم كل هذه التطورات، يُشكك محللون في قدرة الصين على تقليل اعتمادها على رقائق إنفيديا.
وقال مدير أبحاث أشباه الموصلات وسلسلة التوريد والتكنولوجيا الناشئة في مجموعة Futurum، راي وانغ، لشبكة CNBC: "فيما يتعلق بجاهزية الصين للرقائق المحلية، أعتقد أنه من المُضلّل القول إن البلاد قادرة على تطوير الذكاء الاصطناعي بالمستوى الحالي باستخدام البدائل المحلية فقط ودون الاعتماد على منظومة إنفيديا المتكاملة".
اقرأ أيضاً: صحيفة: علي بابا وبايدو الصينيتان تبدآن في استخدام رقائق من تصميمهما في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي
ورقة تفاوضية
مع أن الخبراء يُوافقون على أن الصين أصبحت أكثر ثقة في قدرة شركاتها على مُواجهة إنفيديا، إلا أنهم يُشيرون إلى أن بكين قد تستخدم الوصول إلى سوقها كورقة ضغط في المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة.
وقال المحلل في شركة سيمين أليسيس، إيه جيه كورابي، لشبكة CNBC، إنه "من المرجح أن تكون هذه الخطوة تكتيكاً تفاوضياً ضمن مجموعة أوسع من المناقشات (بين البلدين) التي تتضمن موضوعات أخرى، بما في ذلك التعرفات الجمركية. لا شك أن الصين تسعى إلى تشجيع وترسيخ سيادة السيليكون الذاتية، مع الحصول في الوقت نفسه على أفضل شريحة ممكنة".
وأشارت الولايات المتحدة إلى أنها قد تسمح بدخول شرائح أكثر تطوراً من إنفيديا، مقارنة بشريحة H20، إلى السوق الصينية.
في عهد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تم تشديد ضوابط تصدير الرقائق المتقدمة بشكل متزايد بهدف منع الصين من الوصول إلى أفضل التقنيات الأميركية. وبعد أن تسارع في بداية عهد إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، بدأ هذا الاتجاه في الانعكاس خلال الفترة الحالية.
وبحسب ما قالته مديرة مجموعة روديوم، ريفا جوجون، فإن رفض بكين لشريحتي H20 وRTX Pro قد يُتيح لها فرصة التفاوض على الوصول إلى وحدات معالجة رسومية أكثر تطوراً.
وأضافت جوجون أنه ليس من قبيل الصدفة على الأرجح أن يأتي هذا الإجراء في ظلّ سعي الصين إلى تعزيز نفوذها هذا الأسبوع، في إشارة إلى تحقيقها الأخير في مكافحة الإغراق في واردات بعض الرقائق التناظرية من الولايات المتحدة.
وقالت جوجون: "بينما تختبر بكين نهج ترامب في التعامل، عليها أن تبني نفوذها الخاص".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي