بعد 4 سنوات من انسحاب أميركا الفوضوي من أفغانستان، يضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قاعدة باغرام نصب عينيه، ولا يتوانى عن التعبير علناً عن رغبته في استعادة السيطرة عليها.
أهداف ترامب باستعادة ما يعتبره "ملكية أميركية" هو رغبته بالسيطرة على حدود الصين وسهولة الوصول إلى المعادن النادرة والتعدين والسيطرة على الأمنية والسياسية عند حدود حساسة تبدأ من أفغانستان إلى باكستان والصين.
اقرأ أيضاً: وسط حرب إيران وإسرائيل.. أفغانستان تلجأ إلى روسيا لتأمين الغذاء
في الفترة الأخيرة كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر من مرة أن الولايات المتحدة تحاول استعادة السيطرة على قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في باكينغهامشير في شمال غرب لندن، يوم الخميس 18 سبتمبر/ أيلول، قال إن موقع قاعدة باغرام بالقرب من الصين إستراتيجي، مشيراً إلى أن أحد أسباب رغبة أميركا في استعادة القاعدة هو "أنها تبعد ساعة واحدة فقط عن المكان الذي تصنع فيه الصين صواريخها وأسلحتها النووية"، وهو ادعاء كان قد كرره في مارس/آذار الماضي.
ترامب انتقد طريقة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان تحت إدارة الرئيس جو بايدن عام 2021، وقال إن الولايات المتحدة كانت ستغادر أفغانستان لكنها ستحتفظ بقاعدة باغرام. وأضاف "أعطيناهم القاعدة مجاناً، ونحاول استعادتها لأنهم بحاجة لأشياء منا"، ملمحاً إلى أن واشنطن تملك أوراق ضغط على الحكومة الأفغانية التي تقودها طالبان.

ولم يقدم ترامب أي تفاصيل حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع أي نوع من الاتفاقات أو مع من بالضبط. ولم يذكر طالبان بالاسم، رغم أنهم الآن يتولون الحكم في أفغانستان. لكنهم عاد يوم السبت 20 سبتمبر/ أيلول، متحدثاً عن "أشياء غير جيدة ستحدث" ما لم توافق كابول على تسليم قاعدة باغرام لأميركا، وذلك في منشور عبر منصة تروث سوشيال.
يأتي ذلك بعد 4 سنوات من انسحاب أميركا الفوضوي من البلاد، وهو الأمر الذي أدى إلى سقوط القاعدة الجوية في يد جماعة "طالبان".
منذ الانسحاب الكبير حتى اليوم لم تقم أي علاقات دبلوماسية رسمية بين الولايات المتحدة و"طالبان"، غير أن الجانبين أجريا محادثات بشأن الأسرى.
وبحسب وسائل إعلام أميركية، ترامب ظل على مدى أشهر يدفع بهدوء مسؤولي الأمن القومي للعثور على طريقة لاستعادة قاعدة باغرام من طالبان، وفق وكالة رويترز.
رفض أفغانستان
كابول ردّت على أفكار ترامب حيث أكد المسؤول في وزارة خارجية طالبان زاكر جلالي، أنه "على أفغانستان والولايات المتحدة التعامل مع بعضهما البعض، ويمكن أن تقيما علاقات اقتصادية وسياسية بناء على الاحترام المتبادل والمصالحة المشتركة".
وفي تصريح، تعليقاً على كلام الرئيس الأميركي عن العمل على إعادة إرساء وجود أميركي في قاعدة "باغرام" الجوية في أفغانستان، لفت إلى أن "الأفغان لم يقبلوا وجوداً عسكرياً في التاريخ، وقوبل هذا الاحتمال بالرفض التام خلال محادثات الدوحة، وفي اتفاق الدوحة، ولكن الباب مفتوح أمام مزيد من التفاعل".
عين على المعادن والتعدين والأمن
المحادثات بشأن إعادة القاعدة إلى السيطرة الأميركية تعود على الأقل إلى شهر مارس/آذار الماضي. ويعتقد ترامب وكبار مسؤولي الأمن القومي أن القاعدة ضرورية لعدة أسباب، منها مراقبة الصين، التي تبعد حدودها أقل من 500 ميل (805 كيلومترات)، والحصول على إمكانية الوصول إلى المعادن النادرة وعمليات التعدين في أفغانستان، وإنشاء نقطة لمكافحة الإرهاب لاستهداف تنظيم الدولة الإسلامية، وربما إعادة فتح منشأة دبلوماسية هناك، بحسب شبكة ABC.
لكن تحقيق كل تلك الأهداف يتطلب وجود قوات أميركية، وفق ما أفادت مصادر لشبكة سي أن أن. كما أن الاتفاق الذي أبرمه ترامب مع طالبان في 2020، خلال ولايته الأولى، نصّ على انسحاب كامل للقوات الأميركية من البلاد.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت طالبان قد شاركت مع الولايات المتحدة في أي مفاوضات بشأن التخلي عن السيطرة على القاعدة الجوية الإستراتيجية.
اقرأ أيضاً: الصين تعرض على أفغانستان تجارة بدون رسوم جمركية
المطار التاريخي، الذي بناه الاتحاد السوفياتي، كان القاعدة الرئيسية للقوات الأميركية في أفغانستان طيلة عقدين، بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وحتى انسحابها في عام 2021 وسيطرة حركة طالبان عليها. وكان آخر الجنود الأميركيين قد غادروا قاعدة باغرام في يوليو/ تموز 2021.
طبيعة باغرام
يمتد طول مدرج قاعدة باغرام إلى نحو ميلين، وكان نقطة الانطلاق للعمليات العسكرية في مختلف أنحاء البلاد، مع مساحات مخصصة لطائرات الشحن والمقاتلات والمروحيات الهجومية.
وزار القاعدة الرؤساء جورج بوش وباراك أوباما وترامب خلال فترات رئاستهم، متعهدين بالنصر وبمستقبل أفضل لأفغانستان. وكانت القاعدة هدفاً لهجمات متكررة من طالبان على مدى السنوات، بما في ذلك تفجيرات انتحارية وهجمات صاروخية.
كانت القاعدة الأميركية تضم مطاعم للوجبات السريعة، مثل برغر كينغ وبيتزا هت، قدمت خدماتها للقوات الأميركية، بالإضافة إلى متاجر تبيع الإلكترونيات وحتى السجاد الأفغاني. ككما ضمت مجمع سجون ضخم.
لدى مغادرة القوات الأميركية القاعدة في 2021، أزالت ما يعادل حمولة 900 طائرة شحن من طراز سي-17، ودمرت نحو 16 ألف قطعة من المعدات، بحسب ما قالت القيادة المركزية الأميركية في ذلك الوقت.

في 2023، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية مراجعة لما بعد العملية ووجدت أن قرار التخلي عن قاعدة باغرام ربما ساهم في الفوضى التي رافقت الانسحاب الأميركي من البلاد، لأنه جعل مطار حامد كرزاي الدولي في كابل "الطريق الوحيد لعملية إجلاء غير قتالية محتملة".
لطالما هاجم ترامب سلفه بايدن على طريقة إدارة الانسحاب من أفغانستان الذي بدأ تحت إدارة ترامب في 2020، لكنه اكتمل في أغسطس/آب 2021 تحت إدارة بايدن.
تطبيع العلاقات
الأسبوع الماضي، كشفت طالبان أنها ناقشت تطبيع العلاقات بين أفغانستان والولايات المتحدة خلال اجتماع مع مسؤولين أميركيين، بحسب ما أوردت لوكالة أسوشيتد برس.
ولم يصدر البيت الأبيض أي بيان رسمي بهذا الشأن، لكن كابول قالت إن وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة أمير خان متقي التقى المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الأسرى آدم بولر، وتم خلال اللقاء بحث تبادل الأسرى كجزء من جهود لتطبيع العلاقات.
مهمة شاقة
لكن استعادة القاعدة ليست بالأمر السهل، ووفق ما أفادت وكالة رويترز، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، ليلة الجمعة 19 سبتمبر/ أيلول، أن حديث رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، عن استعادة قاعدة باغرام قد يعني "إعادة غزو أفغانستان مرة أخرى".
شاهد أيضاً: نحو مليون أفغاني أُجبروا على العودة من إيران وباكستان!
ونقلت الوكالة عن مسؤولين حاليين وسابقين قولهم، إن هدف الرئيس الأميركي بإعادة احتلال قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان قد يبدو في النهاية إعادة غزو للبلاد، حيث يتطلب أكثر من 10 آلاف جندي بالإضافة إلى نشر دفاعات جوية متطورة.
في المقابل، أكد مسؤول أميركي لرويترز، إنه لا يوجد تخطيط نشط للاستيلاء عسكرياً على قاعدة باغرام الجوية، التي تخلت عنها الولايات المتحدة عندما انسحبت من أفغانستان في عام 2021. وأضاف المسؤول، أن "أي جهد لإعادة السيطرة على القاعدة سيكون مهمة كبيرة".
هذا الأمر سيتطلب إرسال عشرات الآلاف من الجنود للاستيلاء على القاعدة والاحتفاظ بها، وجهداً مكلفاً لإصلاح الأضرار التي لحقت بها، بحسب المسؤول الأميركي، فضلاً عن عملية لوجستية معقدة لإعادة إمداد القاعدة التي ستكون "جيباً أميركياً معزولاً في بلد غير ساحلي".
حتى بعد سيطرة الجيش الأميركي على القاعدة، سيتعين بذل جهود هائلة لتطهير المحيط الشاسع حولها وحمايته لمنع استخدام المنطقة لشن هجمات صاروخية ضد القوات الأميركية داخلها، وفقاً للمسؤول الأميركي.
أمنياً، ذكرت الوكالة نقلاً عن خبراء أنه سيكون من الصعب تأمين القاعدة الجوية بشكل أساسي وستتطلب قوة بشرية ضخمة لتشغيلها وحمايتها.
وحتى لو قبلت حركة طالبان بإعادة احتلال الولايات المتحدة لباغرام بعد مفاوضات، سيتعين الدفاع عنها أمام مجموعة تهديدات بما في ذلك تنظيم داعش ومقاتلو تنظيم القاعدة داخل أفغانستان، بحسب الخبراء.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي