أخيراً يأتي اعتراف بريطانيا والبرتغال وكندا رسمياً بدولة فلسطين، بعد عقود من المعاناة والتهميش، رغم ضغوط أميركية وإسرائيلية شديدة، قبل انعقاد الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بحضور أكثر من 140 رئيس دولة وحكومة.
الاعتراف الدولي بدولة فلسطين من دول وازنة، مثل بريطانيا وفرنسا وكندا، سيكون له تداعيات سياسية ودبلوماسية كبيرة في ظل غضب إسرائيل ورفضها القاطع لهذه الخطوة.
اقرأ أيضاً: بريطانيا وكندا وأستراليا تعلن اعترافها رسمياً بدولة فلسطين
المعنى السيادي للدولة الفلسطينية وحقوقها وسيادتها ودستوريتها وحضورها على أرض الواقع، أمور لا يحددها القرار، مما يطرح أسئلة عن معنى هذا الاعتراف في قيام الدولة الفلسطينية الحقيقية.
عدد متزايد من البلدان التي كانت ولا تزال لفترة طويلة على صلات قوية وداعمة لإسرائيل، أقدمت على هذه الخطوة الرمزية خلال الأشهر الماضية، بموازاة تكثيف إسرائيل هجومها على قطاع غزة المحاصر والمدمر، في سياق الحرب الجارية منذ هجوم حركة حماس على الدولة العبرية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وخلال قمة تعقد الإثنين 22 سبتمبر/ أيلول، برئاسة فرنسا والسعودية للنظر في مستقبل حل الدولتين، ستؤكد عشر دول اعترافها الرسمي بدولة فلسطين.
بريطانيا أعلنت اعترافها الأحد 21 سبتمبر/ أيلول، في تحول تاريخي في سياسة الدولة التي تعتبر منذ فترة طويلة من أقرب حلفاء إسرائيل، والراعية لوعد بلفور الذي كان سبب قيام "دولة إسرائيل".
واعتبر رئيس الحكومة البريطانية ستارمر أن هذه الخطوة ستساهم في "عملية سلام حقيقية"، فيما اتهمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بمكافأة "الإرهاب الوحشي" و"استرضاء الفكر الجهادي".
وكانت البرتغال أعلنت في تموز/ يوليو عزمها على القيام بهذه الخطوة في ظل "التطور المقلق جدا للنزاع سواء على الصعيد الإنساني أو على ضوء الإشارات المتكررة إلى احتمال ضم أراض فلسطينية".
صحيفة لوموند الفرنسية المؤثرة في فرنسا أكدت أنها تؤيد بشدة مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون للاعتراف بدولة فلسطين، ووصفتها بأنها مبادرة متسقة مع مبادئ فرنسا.
اقرأ أيضاً: هل يضم نتنياهو الضفة الغربية؟
وتابعت أن فرنسا لطالما أيدت حل الدولتين، وذكرت أنه الأفق الذي جاء في خطة تقسيم فلسطين أيام الانتداب البريطاني التي صُوت عليها في نوفمبر/تشرين الثاني 1947.
وأوضحت أن الاعتراف بدولة فلسطين يعني الاعتراف بوجود شعب فلسطيني، وهو أمر لا يمكن لأحد أن ينكره.
وزادت أن الأراضي التي تتألف من قطاع غزة والضفة الغربية، احتلتها إسرائيل واستوطنتها بالقوة، مبرزة أن عدم قبول هذا الاحتلال هو مبدأ أساسي آخر من مبادئ القانون الدولي لا يجوز أن يكون له أي استثناء.
ماذا يعني الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟
بسبب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي القائم منذ عشرات السنين والمستمر حتى اليوم، ليس للدولة الفلسطينية حدود متفق عليها دولياً، ولا عاصمة، ولا جيش. وبسبب الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، لا تملك السلطة الفلسطينية، التي شُكِّلت عقب اتفاقيات السلام في التسعينيات في أوسلو، سيطرة كاملة على أرضها أو شعبها.
أما غزة، حيث تُعتبر إسرائيل أيضاً قوة احتلال، فتشهد حرباً مدمرة مستمرة منذ نحو عامين.
نظراً لوضعها كشبه دولة، فإن الاعتراف بفلسطين يحمل طابعاً رمزياً وفق القوانين الدولية. والخطوة تمثل بياناً أخلاقياً وسياسياً قوياً، لكنه لن يحمل أية تغييرات على مفهوم سيادة الدولة الفعلية ونظامها على أرض الواقع، إلا أنها قد تمنح الفلسطينيين مكانة دبلوماسية أوسع وإمكانية إبرام معاهدات، بحسب شبكة NBC.
لكن تلك الرمزية قوية، يعتبرها البعض تأسيساً لحل الدولتين. وهو أمر ترفضه إسرائيل التي لا تكتفي فقط بالتأكيد في كل مناسبة على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أنه "لن تكون هناك دولة فلسطينية أبداً"، بل هي تبذل قصارى جهدها لمنع ذلك عبر توسيع أراضيها وإقامة المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية.
وكان ماكرون قد أكد، في منشور على منصة إكس، أن الاعتراف بدولة فلسطين جزء من خطة سلام شاملة تضمن الأمن والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين.
وصرح مستشار للرئيس ماكرون قبل يومين بأن "10 دول قررت، الاعتراف بدولة فلسطين" ستشارك في مؤتمر يعقد في نيويورك الاثنين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهذه الدول هي فرنسا وبريطانيا وأستراليا وكندا وبلجيكا ولوكسمبورغ والبرتغال ومالطا وأندورا وسان مارينو.
رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، كتب على منصة إكس: "إن الاعتراف بفلسطين ضروري و لكنه غير كاف". واعتبر أن "هذه الاعترافات التي تأخرت كثيراً غير كافية و يجب أن تقترن فورا بفرض عقوبات على إسرائيل لوقف حرب الإبادة و التطهير العرقي و التجويع في قطاع غزة، ولوقف الارهاب الاستيطاني و الضم و التهويد".
مفاعيل الاعتراف
فلسطين ستبني على هذه الاعترافات حتى تحصل على عضوية كاملة بالأمم المتحدة بدل "عضو مراقب" وتعمل على تعظيم الجهود السياسية والدبلوماسية والقانونية والدولية لتحقيق عدة أهداف بينها:
- مساءلة ومحاسبة الاحتلال على جرائمه.
- إنهاء جميع إجراءات الاحتلال أحادية الجانب وصولاً لتطبق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
- تعزيز الشخصية القانونية والولاية المعترف بها لدولة فلسطين ريثما يتم تفعيلها على الأرض.
- تعزيز وتطوير علاقات دولة فلسطين في مختلف المجالات.
- تنفيذ خطوات سياسية وبروتوكولية تترتب على الاعترافات الدولية منها:
رفع مستوى تمثيل سفارات دولة فلسطين من بعثات إلى سفارات، ورفع العلم الفلسطيني عليها، وتنظيم فعاليات بمشاركة رسمية من الدول وبحضور رسمي فلسطيني، لإعادة رفع العلم على سفارات دولة فلسطين على أرض الكيانات التي ستعترف بالدولة.
توسيع الاستيطان في الضفة الغربية
الاعتراف بدولة فلسطينية جاء نتيجة التوسع الخطير الذي نشهده في الضفة الغربية والنية والمؤشرات التي يراها العالم إلى بناء مثلاً المشروع +إي1+ الذي سيقوض بصورة خطيرة فرص حل الدولتين بحسب وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، على ما أوردت وكالة "برس أسوسييشن" الأحد 21 سبتمبر/ أيلول.
ويقضي المشروع الاستيطاني في المنطقة المعروفة باسم "إي 1" ببناء 3400 وحدة سكنية ونددت به الأمم المتحدة إذ قد يؤدي إلى تقسيم الضفة الغربية إلى قسمين.
اقرأ أيضاً: "إعلان نيويورك" المؤيد لإقامة دولة فلسطينية.. ما هي حيثيات قرار الأمم المتحدة وأبرز ردود الفعل؟
ولوّح مسؤولون إسرائيليون، على رأسهم نتنياهو بضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية التي تحتلها الدولة العبرية منذ العام 1967، رداً على الاعتراف بدولة فلسطين.
حدود الدولة
فلسطين، والتي حكمتها بريطانيا بموجب انتداب عصبة الأمم من عام 1922 إلى عام 1948، لطالما اعتُبرت شأناً دولياً غير مكتمل.
نشأت إسرائيل عام 1948، لكن جهود إنشاء دولة فلسطينية موازية تعثرت لأسباب عديدة.
اعتاد السياسيون على ترديد عبارة "حل الدولتين". وبينهم الدول العربية.
تشير هذه العبارة إلى إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، على نفس الخطوط التي كانت موجودة قبل الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل منذ تلك الحرب.
لكن الجهود الدولية لتحقيق حل الدولتين باءت بالفشل، واستعمار إسرائيل لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وهو أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي، حوّل هذا المفهوم إلى "شعار".
موقع بوليتيكو الأميركي نقل مؤخراً عن مسؤولين أوروبيين أن إسرائيل تبلور خيارات متعددة للرد على اعتراف فرنسا ودول أخرى بدولة فلسطين، قد تشمل تسريع ضم الضفة الغربية وإغلاق القنصلية الفرنسية بالقدس المحتلة، و"التعدي على أراض فرنسية في إسرائيل مثل مزار إليونا المسيحي".
تجدر الإشارة إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت بأغلبية ساحقة في سبتمبر/ أيلول 2025 نصاً يدعم قيام دولة فلسطينية لكن من دون حماس.
في الإجمال، تعترف ما لا يقل عن 145 دولة من أصل الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة بدولة فلسطين التي أعلنتها القيادة الفلسطينية عام 1988.
اجتياح غزة
في موازاة التطورات الدبلوماسية للاعتراف بدولة فلسطين، باشرت إسرائيل هذا الأسبوع هجوماً برياً وجوياً مكثفاً للسيطرة على مدينة غزة بشمال القطاع متوعدة باستخدام قوة "غير مسبوقة"، فيما فرّ نحو نصف مليون شخص من المدينة التي تعتبر الأكبر في القطاع وأكثرها اكتظاظاً بالسكان.
وكانت لجنة تحقيق دولية مستقلة مكلفة من الأمم المتحدة اتهمت إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في قطاع غزة الذي يشهد أزمة إنسانية خطيرة وحيث أعلنت الأمم المتحدة المجاعة، فيما تنفي إسرائيل هذه الاتهامات.
وقتل في قطاع غزة منذ بدء الحرب 65208 شخصاً معظمهم من المدنيين، وفق أرقام وزارة الصحة التابعة لحركة حماس والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي