تعمل شركتان من أكبر شركات الذكاء الاصطناعي في العالم على التوسع في دولة الهند، من أجل جذب مستخدمين جدد من أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، وأيضاً بهدف استخدامها كمنصة اختبار تمهيداً للتوسع في دول أخرى من الأسواق الناشئة.
هذا الصيف، أطلقت أداة شات جي بي تي لدردشة الذكاء الاصطناعي التابعة لشركة أوبن إيه آي، وأيضاً محرك البحث "بيربلكسيتي" القائم على الذكاء الاصطناعي خططاً ومنتجات خاصة بالهند هذا الصيف، تستهدف شريحة واسعة من المستهلكين الشباب المهتمين بأسعار الاشتراكات.
وطرحت "شات جي بي تي" الشهر الماضي خطة خاصة بالهند مقابل 399 روبية (4.50 دولار) شهرياً، كما افتتحت أول مكاتبها في الدولة التي يصل عدد سكانها إلى 1.4 مليار نسمة.
لماذا تستهدف أوبن إيه آي وبيربلكسيتي الهند؟
يتيح عدد السكان الكبير والتنوع الثقافي الواسع في الدولة الآسيوية لشركات الذكاء الاصطناعي سهولة الحصول على سوق كبيرة في دولة واحدة، إلى جانب إمكانية التعرض إلى تجارب كبيرة وواسعة النطاق عبر التعامل مع هذا التنوع مما يكسبها الخبرة اللازمة في أسواق أخرى قد تكون مماثلة أو أقل تنوعاً.
وقال رئيس خدمات "شات جي بي تي"، نيك تورلي، لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية: "علينا أن نكون انتقائيين في اختيار الأسواق التي نتوجه إليها لفهمها بعمق... على أمل أن نتعلم أشياء يمكن تطبيقها في أماكن أخرى".
وذكر نيك تورلي أن روبوت الدردشة الذكي التابعة لشركة أوبن إيه آي استثمر في تحسين إمكانية الوصول عبر تقديم خدمته بعشرات اللغات الهندية من أجل اختراق المناطق الريفية، وأشار إلى أن التطبيق يجري تعديله أيضاً للعمل في البيئات ذات سرعة الإنترنت المنخفضة.
ويتيح نهج تعدد اللغات لـ "شات جي بي تي" تدريب نماذجه على اختراق أعمق وتكرار ما تعلمته تلك النماذج في مناطق جغرافية أخرى. وأضاف تورلي: "أعتقد أنها فرصة فريدة حقاً للهند لقيادة هذا الطريق".
اقرأ أيضاً: مخاوف وطموحات.. كيف تعيد أدوات الذكاء الاصطناعي تشكيل مجال التعليم الجامعي؟
من بين أكثر الشعوب فضولاً
جاءت خطوة أوبن إيه آي بعد إعلان "بيربلكسيتي" خلال الشهر قبل الماضي عن تقديم خدمتها السنوية الاحترافية (Pro) - البالغة قيمة الاشتراك فيها 200 دولار - مجاناً لعملاء شركة Airtel، التي تعتبر ثاني أكبر مزود لخدمات الاتصالات في الهند.
وقال المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "بيربلكسيتي"، والمولود في مدينة تشيناي الهندية، أرافيند سرينيفاس، لصحيفة فايننشال تايمز، إن هذه الخطوة من شركته جاءت "مدفوعة بحقيقة أن الهنود من بين أكثر شعوب العالم فضولاً".
مميزات نسبية لميتا وغوغل
في الوقت نفسه، تعتبر الهند بالفعل أكبر سوق لخدمات شركة ميتا المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ويبلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، واتساب وإنستغرام وفيسبوك، مليار مستخدم.
أيضاً يختار حوالي 95% من مستخدمي الهواتف الذكية في الدولة الآسيوية الهواتف التي تعمل بنظام "أندرويد" التابع لشركة غوغل، مما يمنح أيضاً منصة جيميناي للذكاء الاصطناعي ميزة تنافسية في البلاد.
وبالتالي تعتبر الهند سوقاً مناسبة ومتاحة للشركات التي تملك فيها ميزات نسبية، وهو أيضاً سوق مغرية للشركات الأخرى التي تحتاج من أجل المنافسة إلى تقديم ميزات وعروض تتناسب مع خططها التنافسية، وهدفها من هذه السوق.
اقرأ أيضاً: كيف يستخدم رؤساء تنفيذيون لشركات التكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية؟
سوق ضعيفة الربحية
في حين أن العدد الكبير من سكان الهند يوفر سوقاً كبيرة وواسعة النطاق، إلا أنها سوق يصعب تحقيق الربح منها.
وبحسب بيانات شركة أبحاث السوق الرقمية "سينسور تاور"، تصدر الهنود قائمة دول العالم خلال العام الماضي فيما يتعلق بتنزيل التطبيقات الإلكترونية مع تحميل 24.3 مليار تطبيق، وقضاء 1.13 تريليون ساعة عليها. ورغم هذه الصدارة لم يحتل الهنود أي مركز ضمن قائمة العشرين الأوائل من حيث الإنفاق على اشتراكات هذه التطبيقات، والذي وصل إلى أقل من مليار دولار فقط.
ورغم ضعف الإنفاق فمن الصعب تجاهل قوة السوق الهندية، وقال رئيس قسم الاستشارات التكنولوجية في الهند لدى شركة إرنست ويونغ، ماهيش ماخيجا، للصحيفة البريطانية: "الكميات الهائلة تجعل الهند سوقاً لا يمكن تجاهلها"، على الرغم من أنها لا تزال منخفضة الإيرادات لكل عميل.
اقرأ أيضاً: "الانفجار العظيم" بعالم روبوتات الدردشة.. من يتصدر سباق الـ AI؟
سوق غير مكلفة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي
ذكر ماهيش ماخيجا أن الهند تمثل سوقاً واحدة وغير مكلفة للذكاء الاصطناعي للتدريب على مجموعات البيانات، مما يوفر "مزايا بيانات كبيرة للغاية، ويمكن لهذه الشركات الاستفادة من ذلك".
وقال إن هذه البيانات تستطيع المساهنة في إنشاء وكلاء افتراضيين لمساعدة المستخدمين على أداء مهام مختلفة، وهو ما يعتبر بمثابة "الهدف الأسمى" لشركات الذكاء الاصطناعي.
نقص المنافسة المحلية
أيضاً تستفيد الشركات العالمية العملاقة من نقص المنافسة من نظيرتها المحلية في الهند. فبينما تعمل الشركات الناشئة المدعومة حكومياً، مثل Sarvam AI، على بناء نماذج محلية، فإنها لم تُطوّر بعد منتجات استهلاكية قادرة على منافسة منصات مثل شات جي بي تي وجيميناي وبيربلكسيتي أو ديب سيك الصينية، والتي شكل نجاحها هذا العام جرس إنذار للكثيرين من المطورين في الهند.
من جانبه، ذكر الباحث في مجال الذكاء الاصطناعي وخبير الحوكمة الذي عمل مع الحكومة الهندية، جيبو إلياس، للصحيفة البريطانية أن الحكومة ستتريث قبل وضع إطار تنظيمي قوي للذكاء الاصطناعي، لأنها ترغب في منح الشركات الهندية الجديدة مساحة للابتكار.
وقال إلياس: "منظومتنا ناشئة للغاية، ومعظم اللاعبين لدينا هم شركات ناشئة ورواد أعمال شباب. أعتقد أن الحكومة أوضحت تماماً رغبتها في وجود بيئة داعمة للابتكار، وأن البدء في وضع اللوائح التنظيمية مبكراً سيمنح الشركات الكبرى ميزة غير عادلة".
اقرأ أيضاً: وسط توتر مع أميركا.. رئيس وزراء الهند يدعو لمقاطعة المنتجات الأجنبية
لكن في غياب الشركات المحلية الراسخة، تتطلع أدوات "شات جي بي تي" و"بيربلكسيتي" إلى الاستفادة من ميزة الريادة لجذب العديد من المستخدمين الشباب، بحسب ما ذكره إلياس، لأنه "بمجرد دخولهم (الشباب)، وبمجرد زيادة استخدامهم، يصبحون نوعاً ما محصورين في هذه الأدوات تحديداً".
وكشفت بيانات صادرة عن "سينسور تاور" عن ارتفاع تنزيلات تطبيقات الذكاء الاصطناعي بأكثر من 500% منذ بداية العام الحالي في الهند، مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024، "مما يُظهر مدى سرعة تبني المستهلكين لهذه المنصات"، بحسب المنصة.
وتعتبر "شات جي بي تي" تطبيق الذكاء الاصطناعي الأكثر شيوعاً هذا العام في الهند، مع وصول عدد مرات تنزيله إلى 125 مليون مرة - أي أكثر من أربعة أضعاف عدد مرات تنزيل "بيربلكسيتي" البالغ 26 مليوناً، بينما وصل عدد مرات تحميل "جيميناي" التابع لشركة غوغل 23 مليون مرة.
ويرى رئيس خدمات "شات جي بي تي" الهند بأنها "سوق مذهلة للغاية بالنسبة لنا"، مع تقدمها إلى المركز الثاني بين أكبر أسواق الشركة من حيث عدد المستخدمين، ويتوقع تورلي أن تصبح السوق الأكبر قريباً.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي