أعلنت الصين عن تشديد ضوابط تصدير المعادن النادرة والتقنيات المرتبطة بها، إلى جانب حظر مشاركة مواطنيها في أنشطة التعدين خارج البلاد من دون الحصول على موافقة حكومية مسبقة، في خطوة جديدة تضيف ضغوطاً على قطاع يشكّل أحد أهم أدوات نفوذها الجيوسياسي.
وقالت وزارة التجارة الصينية اليوم الخميس إن الكيانات الأجنبية ستكون مطالبة بالحصول على ترخيص من بكين لتصدير أي منتجات تحتوي على أكثر من 0.1% من المعادن النادرة المستخرجة محلياً، أو المُصنَّعة باستخدام تقنيات صينية في مجالات الاستخراج أو التكرير أو صناعة المغناطيس أو إعادة التدوير.
وأضافت الوزارة أن الهدف من هذه الخطوة هو منع «سوء استخدام» المعادن النادرة في المجالات العسكرية أو القطاعات الحساسة، مشيرة إلى أن الشركات المرتبطة بجيوش أجنبية أو المدرجة على قوائم الرقابة أو الحظر لن تحصل على تصاريح تصدير. كما سيتم رفض الطلبات المتعلقة بمواد يُحتمل استخدامها في الأسلحة أو الإرهاب أو الأغراض العسكرية.
اقرأ أيضاً: أسعار المعادن النادرة تبلغ أعلى مستوى في عامين بعد توقف "MP Materials" عن شحن إمداداتها إلى الصين
ووصف دان وانغ، مدير مكتب الصين في مجموعة «يوراسيا»، الخطوة بأنها «ترقية كبيرة في نظام الرقابة على صادرات المعادن النادرة»، موضحاً أنها توسّع القيود من المواد الخام إلى الملكية الفكرية والتقنيات المرتبطة بها. وكانت الصين قد أضافت في أبريل نيسان الماضي عدداً من المعادن النادرة والمواد ذات الصلة إلى قائمة المواد الخاضعة للرقابة التصديرية.
وأشار وانغ إلى أن هذه الإجراءات قد تعمّق اعتماد الدول الأخرى على الخبرات الصينية في هذا المجال، في الوقت الذي تدعم فيه بكين جهودها لرفع موقع صناعاتها ضمن سلاسل القيمة العالمية.
كما حظرت الحكومة على المواطنين الصينيين المشاركة في أنشطة التعدين أو تصنيع المغناطيس في الخارج دون ترخيص رسمي من بكين.
وأوضحت وزارة التجارة أن القواعد الجديدة الخاصة بتصدير المعادن النادرة ستدخل حيز التنفيذ في الأول من ديسمبر كانون الأول المقبل، بينما بدأ تطبيق القيود المتعلقة بالتقنيات والعمالة فوراً.
وسيتم تقييم طلبات تصدير المعادن النادرة المستخدمة في تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة (أقل من 14 نانومتراً) أو شرائح الذاكرة المتطورة أو معدات صناعة الرقائق واختبارها، وكذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي ذات التطبيقات العسكرية، على أساس كل حالة على حدة.
وقال جورج تشين، الشريك في مجموعة «آسيا غروب»، إن هذه الإجراءات تستهدف بالدرجة الأولى القطاع الدفاعي، وتأتي في إطار جهود بكين لتقليص الفجوة مع القدرات العسكرية الأميركية.
تُعد المعادن النادرة عنصراً محورياً في الصناعات عالية التقنية، من السيارات والطيران إلى الإلكترونيات والدفاع وأشباه الموصلات. وقد أدى تشديد الصين للرقابة على هذا القطاع إلى اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وسط تصاعد التوتر التجاري مع الولايات المتحدة.
وقالت ويندي كاتلر، نائبة الرئيس في «معهد سياسة آسيا» والمفاوضة التجارية الأميركية السابقة، إن «بكين أدركت أن لديها ورقة ضغط قوية في هذا القطاع، ولا تتردد في استخدامها»، مشيرة إلى أن الخطوة قد تدفع واشنطن إلى تقديم تنازلات في المفاوضات الجارية، مثل خفض الرسوم الجمركية أو تخفيف قيود التصدير الأميركية.
وتستحوذ الصين حالياً على نحو 70% من الإمدادات العالمية من المعادن النادرة، وقد استخدمتها مراراً كورقة تفاوضية في المحادثات التجارية. وتأتي القيود الجديدة قبل أسابيع من اللقاء المحتمل بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ والأميركي دونالد ترامب، المتوقع عقده على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في غيونغجو، كوريا الجنوبية، خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر تشرين الأول.
وبينما التزمت بكين الصمت بشأن الاجتماعات المقبلة، كان ترامب قد أعلن أنه سيزور الصين مطلع العام المقبل، وأن شي سيقوم بزيارة إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق.
وقال تشين من «آسيا غروب» إن الإعلان الجديد «يُعد جزءاً من سلسلة من أوراق التفاوض التي ترغب بكين في وضعها على الطاولة قبل جولة المحادثات المقبلة»، مضيفاً أن «الصينيين باتوا أكثر خبرة في التعامل مع نظرائهم الأميركيين ويعرفون جيداً ما يريد أصدقاؤهم هناك».
ومنذ أواخر العام الماضي، شددت الصين إجراءاتها الخاصة بصادرات المعادن النادرة، بما في ذلك اشتراط تقديم دليل على أن المواد لن تُستخدم لأغراض عسكرية. وبدأت بكين في إصدار تراخيص تصدير مخصصة لكل شحنة عقب اتفاق التهدئة التجاري مع واشنطن في مايو أيار الماضي.
ورغم أن البيانات الرسمية تشير إلى تعافي صادرات المغناطيسات المصنوعة من المعادن النادرة في الأشهر الأخيرة، إلا أن التقدم لا يزال متفاوتاً. وقالت غرفة التجارة الأوروبية في الصين إن القيود الصارمة كلّفت إحدى الشركات الأعضاء ملايين اليوروهات، في حين أبلغت شركات أخرى عن صعوبات في الحصول على الموافقات اللازمة للتصدير.
اقرأ أيضاً: صادرات الصين من المعادن النادرة ترتفع إلى أعلى مستوى لها منذ 2009
وأشار متحدث باسم وزارة التجارة الصينية إلى أن اللوائح الجديدة ستتضمن بعض الاستثناءات، مثل الصادرات الخاصة بحالات الطوارئ الطبية أو جهود الإغاثة من الكوارث، مع فترة انتقالية تتيح للشركات الوفاء بعقودها الحالية واستيفاء متطلبات الامتثال.
وقال وانغ من «يوراسيا غروب» إن فترة الانتقال هذه ستخفف جزئياً من التأثيرات الفورية على الشركات، مضيفاً أن «الإجراءات الجديدة تمنح الصين نفوذاً أكبر من مجرد حظر شامل، تماماً كما حدث عندما تركت الولايات المتحدة مجالاً لشركاتها التقنية لتقديم طلبات استثناء من الحظر المفروض على الصين».
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي