تشهد واشنطن اجتماعات مالية هامة، مع انطلاق لقاءات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليان، وسط تفاؤل حذر، حيث تتزامن مع إعلان التوصل إلى اتفاق سلام في غزة، الحدث الذي يخفف من التوتر الجيوسياسي الحاد الذي أثقل كاهل الاقتصاد والأمن العالميين.
وتأتي المناقشات الرفيعة المستوى في ظل توجس من انهيار اقتصادي على غرار فقاعة الدوت كوم والحرب التجارية التي تنشب مجدداً بين الصين وأميركا مما زاد من الضغوط على صانعي السياسات.
اقرأ أيضاً: مديرة صندوق النقد الدولي: الاقتصاد العالمي أثبت مرونة أكثر من التوقعات
الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعام 2025 يلتقي خلالها 191 بلداً لمناقشة سؤالين محوريين، هما: كيف تعيد تحولات السياسات والتطورات الأخرى تشكيل الاقتصاد العالمي؟ وما هي السياسات التي تساعد الأمم في إعادة بناء قدرتها على المقاومة وتعزيز النمو؟
سيناقش وزراء مالية ومحافظو المصارف المركزية العالمية ومسؤولون ماليون تحديات مثل مخاطر الأسواق المالية، واحتمال انهيار أسواق الأسهم وخطر فقاعات الأصول، إلى جانب مواضيع، مثل النمو العالمي، والدين العام، واستقلالية السياسة النقدية، وتحديات جوهرية طويلة المدى تواجه الاقتصاد العالمي.
وفي منشور على منصة إكس، اليوم الأحد، قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستاليناغورغييفا: "إنه ذلك الوقت من كل عام، حيث يجتمع جميع أعضائنا الـ 191 في واشنطن العاصمة. هدفنا: الاستماع، والتعلم، والقيادة الهادفة. بالعمل معاً فقط، يمكننا تعزيز النمو والفرص للجميع".
وكان صندوق النقد الدولي توقع في آخر تحديث لتوقعاته الاقتصادية العالمية في يوليو/ تموز، نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3% لهذا العام، وهو تباطؤ طفيف مقارنة بـ3.3 % في عام 2024.
ورغم الهدوء الذي يخيم على الأفق السياسي نوعاً ما، فإن الخبراء الماليين يعانون من التوجس والقلق. وفي أحدث تصريح مثير للقلق وجّهت غورغييفا تحذيراً صارخاً للمستثمرين، حين قالت قُبيل أيام من بدء الاجتماعات، يوم الاثنين، وعلى مدى أسبوع: "استعدوا: عدم اليقين هو الوضع الطبيعي الجديد، وهو باقٍ".
غورغييفا أشارت في تصريحات خلال ندوة في واشنطن، إلى أن أسواق الأسهم العالمية قد تكون في مأزق إذا تضاءلت شهية المستثمرين المندفعة نحو أسهم شركات الذكاء الاصطناعي، محذرةً من "فقاعة تكنولوجية" مماثلة لما حدث قبل ربع قرن، في وقت يزداد فيه القلق بشأن ارتفاع الدين العالمي والتوترات التجارية المستمرة.
اقرأ أيضاً: منظمة التعاون الاقتصادي ترفع توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.2% في 2025
في عام 2000، تفجّرت فقاعة "الدوت كوم"، المعروفة أيضاً بفقاعة الإنترنت، وهي كانت فقاعة اقتصادية شهدت مضاربات ضخمة في أسواق الأسهم وتحقيق أرباح خيالية، وتركزت على شركات التكنولوجيا والإنترنت في الفترة ما بين عام 1995 وانهيارها في عام 2000.
وحذّرت غورغييفا من أن الظروف المالية الميسرة، التي "تُخفي ولا توقف بعض الاتجاهات الضعيفة"، يمكن أن تنقلب بشكل مفاجئ، وهو ما يزيد من المخاوف بشأن خطر انهيار سوقي يضاف إلى قائمة التحديات المتمثلة في التوترات التجارية وتضخم الدين العام، التي ستكون على طاولة صانعي القرار العالمي هذا الأسبوع.
تعليقات غورغييفا أعقبت تحذير بنك إنكلترا من أن خطر التصحيح الحاد للسوق قد زاد، مشيراً إلى أن التقييمات تبدو مبالغاً فيها، خصوصاً بالنسبة لشركات التكنولوجيا التي تركز على الذكاء الاصطناعي.
اقرأ أيضاً: تحذير من بنك إنكلترا من "تصحيح حاد للأسواق" بسبب تقييمات أسهم الذكاء الاصطناعي
وذكر البنك المركزي البريطاني أن تقييمات أسواق الأسهم "تُضاهي ذروة فقاعة الدوت كوم" عام 2000، التي انكمشت بعد ذلك، وأدت إلى ركود اقتصادي. ومع ازدياد حصة أسهم التكنولوجيا في مؤشرات الأسهم القياسية، فإن أسواق الأسهم "معرّضة بشكل خاص للتقلبات إذا ما أصبحت التوقعات بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي أقل تفاؤلاً".
وقد انضم صندوق النقد الدولي وبنك إنكلترا إلى أمثال سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي OpenAI، ورئيس جيه بي مورغان تشيس جيمي ديمون، ورئيس الفدرالي الأميركي جيروم باول الذين شددوا على التحذير من خطر تصحيح سوق الأسهم مع ارتفاع الإنفاق على الذكاء الاصطناعي.
تحذيرات ديمون
الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان جيمي ديمون، كان الأكثر توجساً من أن خطر تراجع أسواق الأسهم الأميركية أعلى من تقديرات السوق الحالية.
وأضاف أنه يخشى تصحيحاً كبيراً في الأسواق خلال فترة تتراوح بين 6 أشهر إلى عامين.
وقال إن الذكاء الاصطناعي واقع حقيقي وسيفيد العالم على المدى الطويل لكن ذلك لا يعني أن جميع المستثمرين فيه سيحققون مكاسب، و"جزء من الأموال المستثمرة في الذكاء الاصطناعي سيُفقد على الأرجح".
وأعرب عن قلقه بعض الشيء بشأن مستويات التضخم، فيما توجد عوامل عديدة تثير حالة من عدم اليقين من بينها التوترات الجيوسياسية والإنفاق المالي المرتفع.
كانت أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة قد شهدت يوم الجمعة تراجعاً حاداً أفقدها نحو 770 مليار دولار من قيمتها السوقية، بعدما هوت أسهم إنفيديا وأمازون وتسلا بنحو 5% لكل منها، مما دفع مؤشر ناسداك للهبوط بنسبة 3.6%، في أسوأ أداء له منذ أبريل الماضي.
وجاءت هذه التراجعات بعد أن هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض "زيادة ضخمة" في الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، قبل أن يعلن لاحقاً أن الولايات المتحدة ستفرض رسوماً بنسبة 100% على الواردات من الصين، اعتباراً من الأول من نوفمبر المقبل، إضافة إلى قيود على تصدير "البرمجيات الحيوية"، ما زاد الضغوط على أسهم التكنولوجيا في جلسات ما بعد الإغلاق.
وتراجعت أسهم أمازون وإنفيديا وتسلا مجدداً بنحو 2% إضافية في التعاملات اللاحقة لإعلان ترامب.
ارتفاع الذهب
التحدي الآخر، هو الارتفاع غير المسبوق في الطلب العالمي على الذهب، الذي تخطى سعره الـ4 آلاف دولار للأونصة للمرة الأولى في التاريخ، إلى جانب التداعيات الكاملة للرسوم الجمركية الأميركية الأخيرة على الصين.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي