أعرب الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، مارك زوكربيرغ، عن تفاؤل كبير العام الماضي بشأن عائلة نماذج الذكاء الاصطناعي «لاما»، متوقعاً أن تصبح «الأكثر تقدّماً في القطاع» وأن «تتيح فوائد الذكاء الاصطناعي للجميع».
لكن بعد أن خصّص جزءاً كاملاً للحديث عن «لاما» في كلمته الافتتاحية خلال مكالمة أرباح الشركة في يناير كانون الثاني من هذا العام، لم يذكر العلامة التجارية سوى مرة واحدة فقط في المكالمة الأخيرة في أكتوبر تشرين الأول.
فقد تراجع هوس الشركة بنموذجها مفتوح المصدر، ليحل محله مسار جديد يرتكز على حملة توظيف ضخمة بمليارات الدولارات لاستقطاب أبرز المواهب في القطاع، سعياً لمواجهة شركات مثل «أوبن إيه آي» و«غوغل» و«أنثروبيك».
ومع اقتراب العام 2025 من نهايته، لا تزال استراتيجية «ميتا» تبدو غير واضحة، وفقاً لمطلعين على الشركة وخبراء في القطاع، ما يعزز الانطباع بأن الشركة تزداد تراجعاً خلف منافسيها الكبار في الذكاء الاصطناعي، الذين تشهد نماذجهم انتشاراً واسعاً في الأسواق الاستهلاكية والمؤسسية.
اقرأ أيضاً: سباق المليارات في الأجهزة القابلة للارتداء.. ميتا تعزز موقعها بصفقة "ليمتلس"
وتسعى «ميتا» لتطوير نموذج جديد يخلف «لاما» ويُصنَّف ضمن نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، ويحمل الاسم الرمزي «أفوكادو»، وفق ما علمته «CNBC».
وقالت مصادر مطّلعة إن كثيراً من العاملين في الشركة كانوا يتوقعون إطلاق النموذج قبل نهاية هذا العام، غير أن الخطة أصبحت تشير إلى صدوره في الربع الأول من عام 2026. وأضافت المصادر أن النموذج يخضع حالياً لاختبارات أداء مرتبطة بمرحلة التدريب لضمان استقبال جيد عند طرحه.
وقال متحدث باسم «ميتا» في بيان: «جهود تدريب النموذج تسير وفق الخطة، ولم تشهد أي تغييرات جوهرية في الجدول الزمني».
ومع أداء سهم الشركة الضعيف مقارنة بالقطاع التقني خلال هذا العام، وتخلفه الواضح عن سهم «ألفابت» المالكة لـ«غوغل»، يبحث وول ستريت عن رؤية أكثر وضوحاً ومسار عائد استثماري ملموس، بعدما أنفقت «ميتا» 14.3 مليار دولاراً في يونيو حزيران لاستقطاب ألكسندر وانغ، مؤسس «سكيل إيه.آي»، إلى جانب فريق من أبرز مهندسيه وباحثيه.
وبعد أربعة أشهر من هذا الإعلان، الذي تضمّن أيضاً استحواذ «ميتا» على حصة كبيرة في «سكيل»، رفعت الشركة توجيهاتها بشأن الإنفاق الرأسمالي لعام 2025 إلى ما بين 70 و72 مليار دولاراً، مقارنة بالنطاق السابق الذي تراوح بين 66 و72 مليار دولاراً.
وكتب محللو «كي بانك كابيتال ماركتس» في مذكرة لعملائهم في نوفمبر تشرين الثاني: «في كثير من الجوانب، تبدو ميتا على النقيض من ألفابت؛ إذ دخلت العام باعتبارها من أبرز مستفيدي طفرة الذكاء الاصطناعي، لكنها تواجه الآن مزيداً من التساؤلات بشأن مستويات الاستثمار والعائد على رأس المال». وأوصت الشركة بشراء السهمين معاً.
يكمن جوهر مشكلة «ميتا» في الهيمنة المستمرة لنشاطها الأساسي، وهو الإعلانات الرقمية.
فعلى الرغم من تحقيقها مبيعات سنوية تتجاوز 160 مليار دولاراً، يواصل نشاط استهداف الإعلانات لدى الشركة —المدفوع بتحسينات واسعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي وبشعبية «إنستغرام»— تسجيل نمو يفوق 20% سنوياً.
وقد أشاد المستثمرون باستخدام الشركة للذكاء الاصطناعي لتعزيز قوة نشاطها الرئيسي وتحسين كفاءتها وتقليل الهياكل الإدارية المرهِقة.
لكن طموحات مارك زوكربيرغ أوسع بكثير، إذ إن فريق القيادة الجديد الذي استقطبه لدفع رؤيته المستقبلية للذكاء الاصطناعي لا يمتلك أي خلفية في مجال الإعلانات الرقمية. ويشير المؤسس البالغ من العمر 41 عاماً، الذي تتجاوز ثروته 230 مليار دولاراً، إلى أنه إذا لم تُقدم «ميتا» على خطوات كبيرة، فقد تجد نفسها خارج دائرة المنافسة في عالم يتجه لأن يُعاد تشكيله بالكامل بفعل الذكاء الاصطناعي.
حتى وقت قريب، تميّزت «ميتا» في سباق الذكاء الاصطناعي عبر اتّباع نهج المصدر المفتوح في نماذج «لاما». وعلى خلاف النماذج الأخرى، كانت تقنيات الشركة متاحة مجاناً، ما يتيح للباحثين والجهات الخارجية استخدامها وتطويرها.
اقرأ أيضاً: ميتا تبرم صفقات مع منصات إخبارية تتعلق بالذكاء الاصطناعي
وكتب زوكربيرغ في تدوينة خلال يوليو تموز 2024: «هناك اليوم عدد من شركات التكنولوجيا تطور نماذج مغلقة متقدمة، لكن المصدر المفتوح يضيق الفجوة بسرعة».
لكن نبرة زوكربيرغ تغيّرت لاحقاً. فقد ألمح في الصيف إلى أن «ميتا» تدرس إعادة النظر في نهجها للمصدر المفتوح بعد إطلاق «لاما 4» في أبريل نيسان، وهو إصدار لم يلق اهتماماً كبيراً لدى المطورين. وأكد في يوليو تموز: «سنحتاج إلى أن نكون أكثر صرامة في الحد من المخاطر، وأن نكون حذرين بشأن ما نختار إتاحته كمصدر مفتوح».
وبحسب مصادر مطّلعة، قد يكون «أفوكادو» —عند طرحه— نموذجاً مغلقاً، ما يعني أن المطورين الخارجيين لن يتمكنوا من تنزيل «الأوزان» الخاصة به أو مكوناته البرمجية.
وأعرب بعض موظفي «ميتا» عن استيائهم من أن النموذج «R1» الذي أصدره مختبر الذكاء الاصطناعي الصيني «ديب سيك» في وقت سابق من العام استخدم أجزاءً من بنية «لاما»، بما يعزز المخاطر المرتبطة بالمصدر المفتوح ويعطي دفعاً إضافياً لمناقشات تغيير الاستراتيجية، وفق المصادر.
كما أبدى عدد من كبار موظفي «ميتا»، بمن فيهم القادة في مختبر «ميتا للذكاء الخارق» (MSL)، تفضيلاً لنهج يعتمد على نموذج ملكية خاص أكثر تقدماً، وأكدت «ميتا» حينها أن موقفها من الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر «لم يتغير».
وتشير المصادر إلى أن إخفاق إصدار «لاما 4» كان نقطة تحوّل رئيسية في تغيير موقف زوكربيرغ، وأدى كذلك إلى إجراء تغييرات هيكلية داخلية واسعة؛ إذ لم يعد كريس كوكس، رئيس المنتجات في «ميتا» وواحد من أقدم قياديي الشركة، مسؤولاً عن قسم الذكاء الاصطناعي المعروف باسم وحدة «جين إيه.آي» بعد الإطلاق المتعثر للنموذج.
وأطلق زوكربيرغ بعدها حملة إنفاق ضخمة لإعادة تشكيل قيادة الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وقد نجح في استقطاب ألكسندر وانغ، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «سكيل إيه.آي» البالغ من العمر 28 عاماً، ليصبح كبير مسؤولي الذكاء الاصطناعي في «ميتا» ورئيس وحدة نخبوية جديدة تُعرف باسم «TBD Lab». وبحسب مصادر مطّلعة، يجري تطوير نموذج «أفوكادو» داخل هذه الوحدة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي