يتراجع الطلب الصيني على السيارات الفاخرة الأجنبية مع توجّه المستهلكين إلى طرازات العلامات الصينية الأقل سعراً، والتي تُباع غالباً بخصومات كبيرة وتلبّي تفضيلاتهم في ما يتعلق بالتجهيزات الإلكترونية المتطورة ومستويات الراحة العالية.
ويمثّل هذا التطور أنباءً غير سارة لشركات صناعة السيارات الأوروبية مثل بورشه وأستون مارتن ومرسيدس-بنز وبي إم دبليو، التي لطالما هيمنت على الشريحة العليا في أكبر سوق للسيارات في العالم.
يؤثر تباطؤ الاقتصاد سلباً في سوق السلع الفاخرة، إذ إن الركود الممتد في قطاع العقارات في الصين قلّص شهية العديد من المستهلكين للقيام بمشتريات كبيرة. وفي الوقت نفسه، بات الأثرياء أكثر تحفظاً إزاء إظهار ثرواتهم علناً، وفق ما قاله بول غونغ، رئيس أبحاث صناعة السيارات في الصين لدى «يو بي إس»، بحسب وكالة أسوشيتيد برس.
وأشار غونغ إلى أن كثيراً من مشتري السيارات تأثروا بإعانة الاستبدال التي تقدمها الحكومة الصينية بقيمة 20 ألف يوان (2830 دولاراً) عند شراء السيارات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن، إذ يميل المستهلكون إلى شراء سيارات أرخص ومن الفئة الأساسية حيث يكون أثر الخصم أكبر، وهي سيارات تُصنّع في الغالب محلياً.
اقرأ أيضاً: شركات تصنيع السيارات الصينية والوكلاء يواجهون حملة صارمة على الأسعار
وقالت كلير يوان، مديرة التصنيفات الائتمانية لشركات السيارات في الصين لدى «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتينغز»، إن تباطؤ النمو الاقتصادي يُعد أحد العوامل الرئيسية وراء ضعف الطلب على السيارات الفاخرة، في إشارة إلى شريحة تضم عادة علامات مثل مرسيدس-بنز وبي إم دبليو.
قالت «ستاندرد آند بورز» إن الحصة السوقية لمبيعات السيارات الفاخرة في الصين، والتي تُسعَّر عادةً بأكثر من 300 ألف يوان (42,400 دولار)، تضاعفت بأكثر من الضعف بين عامي 2017 و2023 لتصل إلى نحو 15% من إجمالي المبيعات.
غير أن هذا الاتجاه بدأ ينعكس، إذ تراجعت حصة مبيعات السيارات الفاخرة إلى 14% في عام 2024، ثم إلى 13% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، وفقاً لما ذكرته «ستاندرد آند بورز».
تستحوذ شركات صناعة السيارات الصينية على حصةٍ أكبر من السوق، ففي الوقت الذي تباطأت فيه مبيعات السيارات الفاخرة، أصبحت الشركات الصينية، بما في ذلك شركة «بي واي دي» المتخصصة في السيارات الكهربائية، أكثر جرأةً من العديد من العلامات الغربية في مجال الابتكار التكنولوجي، إذ تطرح بشكل متكرر طرازات جديدة من السيارات الكهربائية والهجينة بأسعار أقل، بما يشمل الفئات الفاخرة، وفقاً لمحللين.
وقالت كلير يوان إن منتجات شركات السيارات الصينية «أكثر تنافسيةً وأقل تكلفةً حتى ضمن الشريحة الفاخرة»، مضيفةً أن «هذا هو السبب في أن العلامات الأجنبية تفقد زخمها تدريجياً».
وارتفعت حصة العلامات الصينية من مبيعات سيارات الركاب إلى نحو 70% خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام الجاري، بحسب بيانات رابطة مصنّعي السيارات الصينية، التي أفادت يوم الخميس بأن العلامات الألمانية استحوذت على 12% من السوق، واليابانية على نحو 10%، فيما بلغت حصة العلامات الأميركية قرابة 6%.
وتجاوزت «بي واي دي» بالفعل شركة «فولكسفاغن» لتصبح أكبر بائع سيارات في الصين خلال السنوات الأخيرة. كما تتصدر «بي واي دي» مبيعات السيارات هذا العام في فئة «مركبات الطاقة الجديدة»، التي تشمل السيارات الكهربائية والهجينة، وفقاً لرابطة سيارات الركاب الصينية. وكانت الشركة قد خفّضت أسعار طرازاتها الكهربائية والهجينة القابلة للشحن بنسبة تصل إلى 34%، ما زاد الضغوط على منافسين رئيسيين مثل «جيلي» و«ليب موتور».
وبحسب أحدث تقارير الأرباح، تراجعت مبيعات مرسيدس-بنز من حيث عدد الوحدات في الصين بنسبة 27% على أساس سنوي خلال الربع من يوليو تموز إلى سبتمبر أيلول. كما انخفضت مبيعات سيارات «بي إم دبليو» وعلامتها التابعة «ميني» في الصين بنسبة 11.2% على أساس سنوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025. وأشارت كلٌّ من بورشه وأستون مارتن أيضاً إلى ضغوط ناجمة عن ضعف الطلب في الصين.
أفادت شركة فيراري، صانعة السيارات الفاخرة الإيطالية، بتراجع شحنات السيارات إلى برّ الصين الرئيسي وهونغ كونغ وتايوان بنسبة 13% على أساس سنوي خلال الفترة من يناير كانون الثاني إلى سبتمبر أيلول، لتكون هذه المنطقة الوحيدة التي سجّلت انخفاضاً في المبيعات خلال تلك الفترة.
اقرأ أيضاً: سيارات فيراري تجذب جيل الشباب.. 40% من المشترين الجدد تحت سن الأربعين
وقال أولا كيلينيوس، الرئيس التنفيذي لشركة مرسيدس-بنز، للمستثمرين في أواخر أكتوبر تشرين الأول إن «المنافسة الشرسة للغاية في الصين لن تختفي في أي وقت قريب».
وأضافت الشركة أن «أوضاع السوق في شريحة السيارات الفاخرة والراقية في الصين لا تزال متوترة».
ويُلقي تراجع الإقبال على السيارات الفاخرة بظلاله الثقيلة على وكلاء البيع.
وقال لي يي، وهو مندوب مبيعات مسؤول عن السيارات المستعملة في مركز بورشه في بكين، إن سيارة «باناميرا 2.9T» من طراز 2024، قطعت نحو 20 ألف كيلومتر (12,400 ميل)، عُرضت بسعر 950 ألف يوان (134,300 دولار)، في حين كان مالكها السابق قد اشتراها بنحو 1.4 مليون يوان (198,454 دولار).
وأضاف لي: «يعود ذلك أساساً إلى حالة التباطؤ الاقتصادي»، مشيراً إلى أن «الأمر لا يقتصر على بورشه فقط، إذ تواجه مرسيدس-بنز وبي إم دبليو وبنتلي ورولز رويس الوضع نفسه». وتُعد بورشه وبنتلي جزءاً من مجموعة فولكسفاغن.
وفي سوق للسيارات المستعملة في بكين، وصف أربعة ممثلين آخرين لوكالات بيع السيارات، تحدثوا إلى وكالة «أسوشيتد برس»، وضعاً قاتماً مشابهاً، مع بيع السيارات الفاخرة بأسعار أقل بكثير خلال العام الماضي.
أفادت رابطة مصنّعي السيارات الصينية بأن الإنتاج الشهري للسيارات في الصين تجاوز في نوفمبر تشرين الثاني، وللمرة الأولى، مستوى قياسياً بلغ 3.5 مليون وحدة، إلا أن المبيعات المحلية تراجعت بنسبة 4% على أساس سنوي مع انحسار الطلب، في ظل وقف بعض إعانات الاستبدال في عدد من المناطق.
وقالت إحدى بائعات السيارات المستعملة، التي عرّفت عن نفسها باسم هاو، مازحةً: «من الذي لا يزال يملك المال هذه الأيام؟ جيوب الناس أنظف من وجوههم».
وأضافت البائعة، التي امتنعت عن ذكر اسمها الكامل لعدم حصولها على تفويض من شركتها للتحدث إلى وسائل الإعلام، أن الأسعار تشهد تراجعاً منذ عامين، ما دفعها إلى تقديم خصومات أكبر.
وختمت بالقول: «الآن بات الناس يفكرون مليّاً قبل أن ينفقوا».
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي