مليارات تتدفق.. هل تواجه الصين "فقاعة الروبوتات الذكية"؟

نشر
آخر تحديث
روبوت صيني - AFP

استمع للمقال
Play

تسابق الصين الزمن لترسيخ موقعها كقوة عالمية في الذكاء الاصطناعي والروبوتات، مدفوعةً برهان حكومي واضح على أن هذه التكنولوجيا ستكون محرك النمو الاقتصادي القادم، وذلك على غرار رهانها في مجال السيارات سواء الديزل أو الكهربائية، غير أن تسارع الاستثمارات، وتكاثر الشركات الناشئة، واتساع الفجوة بين الطموحات والقدرات الفعلية، يثير تساؤلات متزايدة حول ما إذا كانت البلاد على أعتاب فقاعة تكنولوجية جديدة في قطاع الروبوتات الذكية، لا سيما الروبوتات الشبيهة بالبشر.

طفرة استثمارية غير مسبوقة

خلال العام الجاري وحده، ضخ المستثمرون من القطاعين العام والخاص أكثر من 5 مليارات دولار في شركات صينية ناشئة تطوّر روبوتات شبيهة بالبشر، وهو رقم يعادل إجمالي ما أُنفِق على هذا المجال خلال السنوات الخمس السابقة مجتمعة.

وتزامن ذلك مع إنشاء صناديق حكومية ضخمة، أبرزها صندوق في بكين بقيمة 14 مليار دولار مخصص للاستثمار في الذكاء الاصطناعي والروبوتات، إلى جانب صندوق شنغهاي للذكاء الاصطناعي المجسّد باستثمار أولي يقارب 77 مليون دولار، وفق ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن بيانات رسمية.

هذا التدفق المالي الكثيف عزز نمو عشرات الشركات الناشئة، ودفع ببعضها للاستعداد لطرح أسهمها في الأسواق، مثل شركة (Unitree Robotics) التي تخطط لاكتتاب عام أولي قد يكرّسها لاعبًا محوريًا في سوق الروبوتات الشبيهة بالبشر.

سوق مزدحم ومخاوف رسمية

لكن الحماس الاستثماري يقابله قلق متزايد داخل بكين نفسها. فقد أعلنت الحكومة الصينية أن أكثر من 150 شركة مصنّعة تتنافس حاليًا في قطاع الروبوتات، محذّرة من خطر انتشار “المنتجات المتشابهة بشكل مفرط”، في إشارة واضحة إلى تشبّع السوق وضعف التمايز التكنولوجي.

شاهد أيضاً: الخطر الكامن وارء متصفحات الذكاء الاصطناعي

ويرى محللون أن هذا المشهد يعكس نمطًا متكررًا في التجربة الصناعية الصينية، حيث يؤدي الدعم الحكومي الواسع إلى دخول أعداد كبيرة من الشركات سوقًا واحدة، قبل أن يتم لاحقًا تصفيتها أو دمجها.

ويقول ليان جي سو، كبير المحللين في شركة “أومديا”، إن النهج الاستباقي للصين في تبنّي التكنولوجيا “يخلق منافسة شرسة على حصص صغيرة من السوق”، ما يزيد مخاطر الفقاعة.

إنجازات صناعية وحدود تقنية

ويشير تقرير الصحيفة إلى أنه لا يمكن إنكار أن الصين حققت تقدمًا هائلًا في الروبوتات الصناعية. فهي الدولة الأكثر استخدامًا للروبوتات في المصانع على مستوى العالم، متقدمةً على اليابان والولايات المتحدة وألمانيا مجتمعة. وقد ركّبت المصانع الصينية قرابة 300 ألف روبوت جديد العام الماضي، مقارنةً بنحو 34 ألف روبوت فقط في الولايات المتحدة.

غير أن التحدي الحقيقي يكمن في الجيل الجديد من الروبوتات الشبيهة بالبشر. فعلى الرغم من قدرتها على تقليد الحركة البشرية وأداء مهام محددة، إلا أن هذه الروبوتات لا تزال تعاني من ضعف كبير في التعامل مع المواقف غير المتوقعة، ولا تمتلك المرونة الإدراكية التي تمكّنها من إحداث تحول جذري في الاقتصاد أو سوق العمل.

الذكاء الاصطناعي الرهان الحاسم

يرى مؤسسو الشركات والمستثمرون أن الذكاء الاصطناعي هو الحلقة المفقودة التي قد تنقل الروبوتات من الاستعراض إلى الإنتاجية الحقيقية.

وتروج شركات صينية لفكرة أن الروبوتات الشبيهة بالبشر ستكون البوابة العملية لتحقيق ما يُعرف بالذكاء الاصطناعي العام (AGI)، أي أنظمة قادرة على محاكاة القدرات العقلية البشرية.

لكن خبراء يشيرون إلى فجوة واضحة بين هذا الخطاب الطموح والواقع التقني الحالي. فمعظم الشركات لا تزال في مرحلة التدريب التجريبي للروبوتات، سواء عبر تكرار المهام الأساسية في المصانع أو من خلال المحاكاة الرقمية باستخدام برمجيات ورقائق أجنبية، أبرزها من شركة إنفيديا الأميركية.

أسعار منخفضة وتمويل حكومي
تمتلك الشركات الصينية ميزة تنافسية واضحة في خفض التكاليف، إذ تُباع بعض الروبوتات الشبيهة بالبشر بسعر يقارب 6 آلاف دولار فقط داخل الصين، وهو أقل بكثير من أسعار منافسين عالميين مثل “بوسطن دايناميكس”. ويعود ذلك جزئيًا إلى قوة سلسلة التوريد الصناعية، وجزئيًا إلى الدعم المالي المباشر من الحكومات المحلية وصناديق التحوط المدعومة من الدولة.

اقرأ أيضاً: "الانفجار العظيم" بعالم روبوتات الدردشة.. من يتصدر سباق الـ AI؟

غير أن هذا الدعم نفسه قد يفاقم مخاطر الفقاعة، إذ يسمح ببقاء شركات غير قادرة بعد على تحقيق نموذج أعمال مستدام أو طلب حقيقي في السوق.

فقاعة أم مرحلة فرز؟

في المحصلة، لا تبدو الصين بعيدة عن تكرار سيناريو شهدته سابقًا في قطاعات مثل السيارات الكهربائية والعقارات: اندفاع استثماري سريع يليه فرز قاسٍ. فالروبوتات الذكية قد تمثل مستقبل الصناعة، لكن سرعة تدفق الأموال وعدد اللاعبين تفوق حاليًا مستوى النضج التقني والتجاري.

وبينما تراهن بكين على أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات سيكونان قاطرة النمو القادمة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح الصين في تحويل هذه الطفرة إلى صناعة مستدامة، أم أن السوق يتجه نحو فقاعة جديدة ستنفجر مع أول اختبار حقيقي للطلب والربحية؟

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة