تستعد بورصة ناسداك المصنفة واحدة من أكبر البورصات العالمية لإحداث تحول جذري في شكل أسواق الأسهم الأميركية، بعد إعلانها عزمها التقدم رسميًا إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية (SEC) بطلب يسمح بتمديد ساعات التداول إلى 23 ساعة يوميًا خلال أيام الأسبوع، بدءًا من عام 2026، في حال نيل الموافقة التنظيمية.
وتُمثل هذه الخطوة خروجًا كبيرًا عن نمط التداول التقليدي المعتمد منذ ثمانينيات القرن الماضي، والذي يقتصر على الفترة الممتدة من الساعة 9:30 صباحًا حتى 4:00 مساءً بتوقيت نيويورك، ما يفتح بابًا واسعًا أمام نقاشات حادة داخل الأوساط المالية حول جدوى هذا التغيير وتداعياته على عدالة وكفاءة الأسواق.
إيجابيات التداول لمدة 23 ساعة
يرى مؤيدو المقترح أن تمديد ساعات التداول يعكس تحولات عميقة في سلوك المستثمرين العالميين، ويستجيب لطلب متزايد على المرونة وإمكانية الوصول إلى الأسواق في أي وقت.
اقرأ أيضاً: ما هي القطاعات التي يراهن عليها "غولدمان ساكس" في 2026؟
ويقول كبير الاقتصاديين في شركة Interactive Brokers، خوسيه توريس، إن شريحة واسعة من المستثمرين تواجه صعوبة في التداول ضمن الساعات التقليدية، سواء بسبب التزامات العمل بدوام كامل أو بسبب الإقامة خارج الولايات المتحدة. ويوضح أن تمديد التداول “يعالج هاتين المشكلتين معًا، ويوسّع قاعدة المشاركين في السوق عبر مختلف المناطق الجغرافية”، وفق بيزنس إنسايدر.
كما يشير توريس إلى أن التداول شبه المستمر يسمح للأسواق بتسعير الأحداث العالمية فور وقوعها، بدل انتظار افتتاح الجلسة الرسمية، ما يعزز سرعة التفاعل مع الأخبار الاقتصادية والجيوسياسية التي تحدث خلال الليل.
من جانبه، يرى مؤسس وكبير محللي الخيارات في منصة Explosive Options، بوب لانج، أن هذه الخطوة قد تُشجع مستثمرين جدد على دخول السوق، معتبرًا أن التداول لفترات أطول “تطور طبيعي” في بيئة استثمارية باتت أكثر رقمية وعالمية.
وفي السياق ذاته، يقول نائب الرئيس الأول لأسواق أميركا الشمالية في ناسداك، تشاك ماك، إن المبادرة تأتي استجابة لتغير سلوك المستثمرين وزيادة الطلب على التداول خارج الإطار الزمني التقليدي، مؤكدًا أن ناسداك تسعى إلى تلبية هذا الطلب “مع الحفاظ على مستويات الشفافية والمرونة التي تميز الأسواق الأميركية”.
سلبيات ومخاوف محتملة
في المقابل، يحذر منتقدو الفكرة من أن التداول على مدار 23 ساعة قد يُفضي إلى عدم تكافؤ الفرص بين المستثمرين الأفراد والمؤسسات الكبرى، خاصة خلال الفترات الليلية التي تشهد عادة انخفاضًا في السيولة وحجم التداول.
ويرى بوب لانغ أن المستثمرين المحترفين قد يعزفون عن المشاركة الفعلية خارج ساعات التداول الرسمية، ما قد يؤدي إلى ضعف السيولة وغياب آلية تسعير عادلة للمستثمرين الأفراد.
أما كبير مسؤولي الاستثمار في شركة Running Point Capital Advisors، مايكل آشلي شولمان، فيؤكد أن الأفضلية في سوق شبه مستمر ستذهب إلى الجهات التي تمتلك أدوات تحليل متقدمة وقدرات تنفيذ فائقة السرعة، مثل صناديق التحوط وشركات التداول الكمي.

ويضيف أن قلة البيانات المتاحة خلال ساعات الليل قد تُنتج تحركات سعرية غير متوقعة، ما يزيد من المخاطر على المستثمرين الأفراد مقارنة بالآلات والخوارزميات.
بدوره، يُبدي رئيس مجلس الإدارة وكبير مسؤولي الاستثمار في شركة Navellier & Associates، لويس نافيلير، قلقًا أكبر، معتبرًا أن تمديد التداول يفتح الباب أمام نشاط المضاربين المحترفين ومحاولات التلاعب بالأسعار، خصوصًا بعد إغلاق السوق الرسمي. ويشير إلى مخاطر ما يُعرف بـ”المضاربة على الهبوط” والتأثيرات الخارجية التي قد تُشوّه آليات التسعير.
سباق البورصات بين ناسداك وروبين هوود
تأتي خطوة ناسداك في سياق منافسة متصاعدة بين منصات التداول، إذ توفر منصة Robinhood بالفعل تداولًا على مدار 24 ساعة لبعض الأسهم الرائجة، بينما تقدمت بورصة نيويورك بطلب رسمي في فبراير/ شباط الماضي لتمديد ساعات التداول إلى 22 ساعة يوميًا.
ويرى مراقبون أن هذا السباق قد يُقرب أسواق الأسهم التقليدية من نموذج أسواق العملات الرقمية، التي تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وهو ما يثير تساؤلات حول زيادة التقلبات وتآكل الحدود الفاصلة بين الاستثمار طويل الأجل والمضاربة قصيرة الأجل.
بين الانفتاح والمخاطر
في المحصلة، يعكس مقترح ناسداك توجّهًا عالميًا نحو أسواق أكثر انفتاحًا واستجابة لإيقاع الاقتصاد الرقمي، لكنه في الوقت نفسه يثير مخاوف جوهرية تتعلق بالعدالة، والسيولة، وتوازن القوى بين المستثمر الفردي والمؤسسات العملاقة. ويبقى قرار هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان هذا التحول سيمثل نقلة نوعية إيجابية، أم مخاطرة قد تُعيد تشكيل أسواق الأسهم بطرق غير متوقعة.
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي