وهم التقاعد.. هل يؤمن العمل لسنوات أطول مستقبلك المالي؟

نشر
آخر تحديث
مصدر الصورة: موقع pexels

استمع للمقال
Play

لعدة سنوات، جرى الترويج لفكرة الاستمرار في العمل لفترة أطول باعتبارها الطريقة المثلى لتعزيز أوضاع التقاعد المالية، لا سيّما لأولئك الذين تأخّروا في الادخار.

وقد وجدت دراسة نُشرت عام 2018 أن تأجيل التقاعد لمدة ستة أشهر فقط قد يكون له تأثير أكبر على الأمان المالي من زيادة معدلات الادخار بشكل كبير.

لكن الخبيرة الاقتصادية تيريزا غيلاردوتشي، أستاذة الاقتصاد في «ذا نيو سكول» ومؤلفة كتاب «العمل، التقاعد، ثم الإعادة»، ترى أن هذه النصيحة، رغم سهولتها، تخفي مشكلة أعمق.

وقالت غيلاردوتشي في حلقة حديثة من بودكاست Decoding Retirement (فكّ شفرة التقاعد): «الإجماع على فكرة العمل لفترة أطول لم يكن سوى "حقيقة مريحة زائفة"»، مضيفة: «هذا الإجماع مفاده أنه إذا لم يكن الناس قد ادخروا خلال الأربعين عاماً الماضية.. كما طلبنا منهم، فعلى الأقل لدينا حجة جاهزة لتبرير تقاعسنا عن اتخاذ أي إجراء».

قالت غيلاردوتشي إن المشكلة الأساسية تكمن في أن المسؤولية أُسندت بالكامل إلى الأفراد. وتوضّح: «الفكرة السائدة هي أنه بما أن الجميع يعيشون أعماراً أطول، فمن الواضح أنهم يستطيعون العيش والعمل لفترات أطول»، مضيفة: «وبما أن الوظائف أصبحت أسهل، فبالتالي يمكن للجميع العمل لفترة أطول».

لكن غيلاردوتشي ترى أن هذا المنطق معيب، لأن الفرضية التي تقول إن الجميع يعيشون أعماراً أطول ويشغلون وظائف أسهل، هي فرضية غير صحيحة. وتتابع: «ومن ثم فإن الفكرة التي تقول إن بإمكان الجميع ببساطة العمل لفترة أطول لتعويض فجوات مدخرات التقاعد، هي فكرة خاطئة».

 

شاهد أيضاً: من بينها تقدير احتياجاتك المالية.. إليك 8 خطوات رئيسية للقيام بها قبل التقاعد

 

صحيح أن متوسط العمر المتوقع ارتفع لبعض الأميركيين، لكن غيلاردوتشي تشير إلى أن هذه الزيادة تتركّز بشكل أساسي بين من يعيشون حياة مستقرة، ويشغلون وظائف ذات دخل مرتفع، ويتمتعون بإمكانية الوصول إلى رعاية صحية عالية الجودة.

وقالت: «الرجال، وخصوصاً الرجال البيض، هم من شهدوا أكبر المكاسب في متوسط العمر المتوقع»، مضيفة: «لدينا ارتفاع كبير في المتوسط العام سببه هؤلاء الرجال البيض الذين يعيشون حياة جيدة. لكنهم أيضاً كانوا محظوظين، لأن مساراتهم المهنية ساعدتهم على العيش لفترة أطول، وربما حتى منحتم خياراً بأن يعيشوا عمراً أطول».

أما بالنسبة للكثيرين غيرهم، فقد ظل متوسط العمر المتوقع راكداً. وتشير إلى أن النساء البيض، على سبيل المثال، لم يشهدن تحسناً يُذكر، ويرجع ذلك جزئياً، كما تقول، إلى أنهن يعملن أكثر.

وأضافت: «العمل في الواقع ليس جيداً جداً لصحتك»، موضحة أن فوائد العمل لفترة أطول تعتمد في كثير من الأحيان على ما إذا كان الفرد «من ضمن النخبة».

فبالنسبة لتلك القلة المحظوظة، قد يكون العمل مفيداً لصحتهم ويساعدهم في الحفاظ على نشاطهم الذهني، لا سيما إذا كانوا يتحكّمون في وتيرة العمل ومضمونه، بحسب غيلاردوتشي. لكن نحو 11% فقط من العاملين يتمتعون بهذا القدر من الاستقلالية.

أما البقية، أي 89% من الناس، فإن وظائفهم ــ إذا استمروا فيها ــ قد تعجّل في وفاتهم لأنها تسبب المزيد من القلق وارتفاع مستويات الكورتيزول (وهو هرمون يفرزه الجسم استجابةً للضغط النفسي)، وذلك لأن بيئة العمل والتنقّل اليومي، خصوصاً إذا لم تكن أنت المدير، ترفع من معدلات التوتر»، بحسب غيلاردوتشي.

وأشارت إلى أن التوتر المزمن يزداد ضرراً مع التقدّم في السن.

وقالت: «النساء العاملات في وظائف خدمية ممن تجاوزن سن الستين، هنّ الأكثر عرضةً لأن تؤدي وظائفهن إلى تدهور صحتهن، وزيادة معدلات الإصابة بالأمراض، وقِصر متوسط العمر المتوقع».

 

معضلة التقاعد

 

تُبرز هذه المعطيات معضلة حقيقية. فعلى الورق، يبدو أن العمل لفترة أطول يعزّز الدخل التقاعدي — وفي كثير من الحالات، يُعد ذلك خياراً منطقياً.

لكن غيلاردوتشي حذّرت من أن «معظمنا لا يملك حتى خيار العمل لفترة أطول، حتى لو لم يكن لدينا ما يكفي من المال للعيش عليه في شيخوختنا».

 

فما الذي يمكن للناس فعله؟

 

إذا كنت في الخمسينيات أو الستينيات من عمرك، تنصح غيلاردوتشي بإجراء «مراجعة واقعية للوضع المالي».
وقالت: «عليك أن تنظر إلى وضعك المالي بتمعّن، وأن تكون واقعياً بشأن ما تحتاج إليه فعلاً».


ابدأ بتقدير الدخل الذي تتوقع الحصول عليه خلال فترة التقاعد، ثم اخصم منه 20%. بعد ذلك، قدّر نفقاتك المتوقعة وأضف إليها 20%.

إذا وُجد فارق بين الدخل والنفقات، توصي غيلاردوتشي بمحاولة الاستمرار في العمل لفترة أطول إن أمكن، وتقليص النفقات، واستشارة مستشار مالي مستقل يتقاضى أتعابه فقط. كما يمكن الاستفادة من أدوات مثل حاسبة التقاعد الخاصة بجمعية AARP.

ولا تنسَ أن برامج مثل الضمان الاجتماعي، وميديكير، وميديكيد تُعد أصولاً مالية بالغة الأهمية.

وأضافت غيلاردوتشي: «الحكومة تصبح شريكك المالي الأهم مع التقدّم في العمر».

ابدأ بتقدير الدخل الذي تتوقع الحصول عليه خلال فترة التقاعد، ثم اخصم منه 20%. بعد ذلك، قدّر نفقاتك المتوقعة وأضف إليها 20%.

إذا وُجد فارق بين الدخل والنفقات، توصي غيلاردوتشي بمحاولة الاستمرار في العمل لفترة أطول إن أمكن، وتقليص النفقات، واستشارة مستشار مالي مستقل يتقاضى أتعابه فقط. كما يمكن الاستفادة من أدوات مثل حاسبة التقاعد الخاصة بجمعية AARP.

 

اقرأ أيضا: التقاعد المبكر.. نهاية أم بداية حياة جديدة؟

 

ولا تنسَ أن برامج مثل الضمان الاجتماعي، وميديكير، وميديكيد تُعد أصولاً مالية بالغة الأهمية.

وأضافت غيلاردوتشي: «الحكومة تصبح شريكك المالي الأهم مع التقدّم في العمر».

في الوقت نفسه، شدّدت غيلاردوتشي على أن كثيرين لا يستطيعون الاستمرار في العمل أو لا يرغبون بذلك، ويجب أن يكون لهم الحق في التقاعد بكرامة. وقالت: «لذا، ينبغي أن يكون التقاعد لائقاً».

وأوضحت أن أحد الجوانب الأساسية في ما أسمته «الاتفاق الرمادي الجديد» يتمثل في تعزيز برنامج الضمان الاجتماعي، لا تقليصه، ويشمل ذلك زيادة الإيرادات، وربما حتى رفع قيمة المخصصات.

وأضافت: «زيادة شهرية بمقدار 200 دولار لجميع المستفيدين ليست أمراً مبالغاً فيه»، معتبرة أن «هذه الزيادة ربما تكون ضرورية فعلاً... إذا كنا نرغب في خفض معدل فقر كبار السن —الذي يبلغ حالياً نحو 23% وفقاً للمعايير العالمية— إلى مستوى أكثر قبولاً».

ركيزة أخرى من ركائز خطة غيلاردوتشي تتمثّل في إنشاء «حساب تقاعد مضمون» (Guaranteed Retirement Account - GRA)، يكون مصمَّماً ليُكمّل برنامج الضمان الاجتماعي، لا ليحلّ محلّه.

ويهدف هذا الحساب إلى ضمان شمولية التغطية التقاعدية، لا سيما لنحو نصف العاملين الذين لا يملكون حالياً أي خطة تقاعدية من خلال جهات عملهم.

سيساهم العمال تلقائياً بنسبة 1% من رواتبهم في حساب التقاعد المضمون (GRA)، على أن تُقابل الحكومة هذه المساهمة بنسبة 3%. ويمكن أن ترتفع هذه المساهمات تدريجياً مع الوقت لتصل إلى 5%، مع استمرار المطابقة الحكومية. وسيحتفظ العاملون بملكية حساباتهم ولهم حرية اختيار كيفية استثمارها، بينما تُدار الخطط من قبل جهة عامة غير ربحية — من المرجح أن تكون تابعة للحكومة الفدرالية.

وقالت غيلاردوتشي: «نحن بحاجة إلى التأكد من أن الجميع مشمولون بنسبة 100% أثناء عملهم، تماماً كما هو الحال في برنامج الضمان الاجتماعي».

ورغم أن حساب التقاعد المضمون ليس مطروحاً حالياً في شكل مشروع قانون، فإن غيلاردوتشي أشارت إلى «قانون ادخار التقاعد للأميركيين»، وهو مقترح من الحزبين يشارك العديد من الملامح الأساسية مع فكرة الحساب المضمون. ويشمل الداعمين لهذا المفهوم كلاً من منظمة AARP، وعدد من النقابات، وشركات كبرى مثل فانغارد وفيديلتي وتشارلز شواب.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة