قمة ألاسكا.. هل هي تكرار لنمط "مؤتمر يالطا" في تحديد مستقبل أوروبا؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

اقرأ في هذا التقرير:

◾️ أوجه التشابه بين قمة ألاسكا ومؤتمر يالطا عام 1945، ومواقف القادة الأوروبيين الرافضة لحسم مستقبل أوكرانيا وأمن أوروبا بعيداً عن طاولتهم

تُعيد قمة ألاسكا المرتقبة بين الرئيسيين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين –والتي تُناقش سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا- لأذهان الساسة الأوربيين "مؤتمر يالطا" في العام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، لجهة عامل مشترك رئيسي بين اللقائين، يتمثل في تحديد مستقبل أوروبا دون تمثيل أوروبي كافٍ أو باستبعاد الدول المعنيّة.. فما القصة؟

انعقاد قمة ألاسكا وسط تصعيد عسكري روسي في أوكرانيا، ومع غياب أي تمثيل أوكراني أو أوروبي –حتى الآن- يثير حفيظة العواصم الغربية التي ترى أن تقرير مصير قارة بأكملها يتعين أن يكون "عملية جماعية"، لا ثنائية بين قوتين عظميين.

يعيد هذا الانطباع إلى الواجهة شبح مؤتمر يالطا الذي عُقد قبل 80 عاماً تقريباً، حين اجتمع قادة الحلفاء لتقاسم النفوذ في أوروبا بعد دحر النازية، دون إشراك شعوب أو حكومات الدول التي تقرر مصيرها في تلك القاعة المغلقة.

يقول المدير الأول لمركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي والسفير الأميركي السابق لدى أوكرانيا، جون هيربست، إن عدم دعوة الحلفاء الأوروبيين لقمة ألاسكا "تُذكر بمؤتمر يالطا في العام 1945 حيث قررت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة مصير نصف أوروبا على حساب تلك الدول".

مؤتمر يالطا، الذي عُقد في فبراير/ شباط 1945، جمع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، في قصر ليفاديا بمدينة يالطا في شبه جزيرة القرم، وكان الهدف رسم النظام الدولي الجديد لما بعد الحرب.

ناقش المؤتمر كيفية تقسيم ألمانيا وكيفية محاكمة أعضاء الحزب النازي وتقديمهم كمجرمي حرب، بالإضافة إلى كيفية تقسيم ألمانيا (هل إلى أربع كما رغبت بريطانيا والولايات المتحدة أي بزيادة فرنسا أم إلى ثلاث كما رغب الاتحاد السوفيتي).

اقرأ أيضاً: قمة ألاسكا.. اختبار لصلابة التحالف الغربي أمام الضغط الروسي

أحد أبرز قرارات المؤتمر تمثل في تقسيم مناطق النفوذ في أوروبا بين الشرق والغرب، وهو ما أسس لاحقاً لحقبة الحرب الباردة، حيث خضعت دول أوروبا الشرقية لهيمنة الاتحاد السوفيتي، بينما بقيت أوروبا الغربية تحت المظلة الأميركية والأوروبية الغربية.

لم يكن لدول مثل بولندا وتشيكوسلوفاكيا، أو دول البلطيق أي صوت في تلك التسويات، رغم أن مصائرها تغيرت بالكامل في ضوء الاتفاقات التي خرجت من يالطا، وهو ما وُصف حينها بأنه "إعادة رسم الخريطة على حساب الشعوب".

سيناريو متكرر

في قمة ألاسكا اليوم، يخشى كثيرون أن تكرر واشنطن وموسكو نفس النمط، من خلال الوصول إلى تفاهمات كبرى حول أوكرانيا وأمن أوروبا، بينما يتم تجاوز الأوروبيين أنفسهم أو إطلاعهم على النتائج بعد إبرام الصفقة.
من أوجه التشابه أيضاً أن الاجتماعين جاءا في لحظة تحول استراتيجي؛ يالطا جاءت بعد هزيمة النازية وقرب انتهاء الحرب العالمية الثانية، أما قمة ألاسكا فتأتي وسط استنزاف عسكري واقتصادي غير مسبوق في أوكرانيا، ورغبة الطرفين الأميركي والروسي في تجنب حرب أوسع.

بحسب السفير الأميركي السابق لدى أوكرانيا، جون هيربست، فإن "مبررات بوتين لاستبعاد الدول الأوروبية واضحة.. إنه يريد اتفاقاً مع ترامب يُعرض على كييف وعواصم أوروبية أخرى كأمر واقع". ومع ذلك، يضيف جون أن ذلك قد يجعل تحقيق سلام دائم حقيقي أكثر صعوبة.

في يالطا، كان الحديث يدور حول ضمان مصالح القوى الكبرى، لا تحقيق العدالة السياسية أو احترام إرادة الشعوب، واليوم يرى منتقدو قمة ألاسكا أن الأولوية قد تذهب مجدداً نحو تثبيت توازن القوى، حتى لو جاء ذلك على حساب السيادة الأوكرانية.

اقرأ أيضاً: قمة ألاسكا.. ما هي أهداف "بوتين" الخاصة؟

يشير محللون إلى أن غياب أوروبا عن الطاولة في ألاسكا لا يعني فقط إضعاف موقفها التفاوضي، بل يرسل إشارة سلبية مفادها أن مستقبل القارة يُقرر بين واشنطن وموسكو، كما كان الحال بين روزفلت وستالين قبل ثمانية عقود.

في يالطا، مثّل استبعاد أطراف معنية بداية تشققات داخل التحالف الغربي نفسه، إذ بدأت بريطانيا وأميركا لاحقاً تدرك أن تنازلاتهما لستالين كانت أوسع مما ينبغي، وهو درس تاريخي يخشى الأوروبيون أن يتجاهله ترامب اليوم.

الاتفاقات الثنائية

يُظهر التاريخ أن الاتفاقات الثنائية الكبرى بين القوى العظمى غالباً ما تحمل معها ترتيبات طويلة الأمد، يصعب تعديلها لاحقاً حتى لو تغيرت الظروف، وهو ما يثير القلق من أن أي تفاهم في ألاسكا قد يُقيد السياسة الأوروبية لعقود.. فبينما كان مؤتمر يالطا يهدف رسمياً إلى "حفظ السلام العالمي" بعد الحرب، فقد أدى عملياً إلى تثبيت انقسام أيديولوجي وسياسي في أوروبا، واليوم قد تُنتج ألاسكا صيغة مشابهة لتقسيم مناطق النفوذ في الفضاء السوفيتي السابق.

الجانب الأخطر هو أن أوكرانيا قد تجد نفسها أمام تسوية مفروضة، تضطر لقبولها تحت ضغط الواقع الدولي، لا بناءً على خيار حر أو ضمانات أمنية متكاملة.

وبالنسبة لموسكو، فإن حضور القمة على هذا النحو يعزز مكانتها كندّ مباشر لواشنطن في تقرير شؤون أوروبا، أما بالنسبة لترامب، فقد يُنظر إليه كصفقة دبلوماسية تاريخية تضعه في مصاف صانعي الاتفاقات الكبرى، لكن على الجانب الآخر، فإن غياب التنسيق مع الأوروبيين قد يعمق الانقسام داخل الناتو، ويفتح الباب أمام خلافات حول الالتزامات الأمنية والعسكرية في القارة.

ما موقف أوروبا؟

ويخشى الأوروبيون أن تكرر قمة ألاسكا نمط مماثل لمؤتمر يالطا، إذ لا يشارك فيها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولا أي زعيم أوروبي، رغم أن نتائجها المحتملة قد ترسم مستقبل القارة لعقود.

هذا القلق ظهر جلياً في بيان مشترك صدر عن قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وفنلندا، إضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية، أكدوا فيه أنهم "ملتزمون بمبدأ عدم تغيير الحدود الدولية بالقوة"، مشددين على أن "خط التماس الحالي يجب أن يكون نقطة انطلاق للمفاوضات"، وأن "الطريق إلى السلام في أوكرانيا لا يمكن أن يتقرر بدون أوكرانيا".

كذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان أكثر وضوحاً حين قال: "لا يمكن تقرير مستقبل أوكرانيا دون الأوكرانيين، الذين يقاتلون من أجل حريتهم وأمنهم منذ أكثر من 3 سنوات حتى الآن"، في رسالة حملت رفضاً صريحاً لأي تسوية ثنائية بين واشنطن وموسكو تتجاوز الطرف الأوكراني.

اقرأ أيضاً: قمة آلاسكا: أوروبا تطلب إشراكها مع أوكرانيا لأي اتفاق بين أميركا وروسيا

أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، فقد عبّر عن موقف مزدوج يجمع بين الشك والتأييد المشروط، قائلاً: "لن نثق أبداً بالرئيس بوتين.. لكننا سندعم أوكرانيا والرئيس ترامب والدول الأوروبية مع دخولنا هذه المفاوضات". في المقابل، أبدى المستشار الألماني فريدريش ميرتس تشدداً أكبر، قائلاً: "لا يمكننا بأي حال من الأحوال قبول مناقشة أو حتى حسم قضايا إقليمية بين روسيا وأميركا دون مراعاة الأوروبيين والأوكرانيين".

وفي بروكسل، شددت كبيرة الدبلوماسيين الأوروبيين كايا كالاس على ضرورة أن يكون أي اتفاق شاملاً، قائلة: "أميركا لديها القدرة على إجبار روسيا على التفاوض بجدية.. وأي اتفاق بين واشنطن وموسكو يجب أن يشمل أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، فهو مسألة أمن أوكرانيا وأوروبا بأكملها".

لكن الموقف الأكثر حدة جاء من كييف نفسها، حيث أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "أي قرار من دون أوكرانيا هو قرار ضد السلام ولن يحقق شيئاً.. الأوكرانيون لن يتخلوا عن أرضهم للمحتل". هذا التصريح لم يكن موجهاً لموسكو وحدها، بل أيضاً إلى واشنطن، في رسالة واضحة بأن أوكرانيا لن تقبل أن تُستبعد من تقرير مصيرها.

هذه المواقف مجتمعة تعكس قلقاً أوروبياً متزايداً من أن قمة ألاسكا قد تتحول إلى منصة لتفاهمات ثنائية بين ترامب وبوتين على حساب الأمن الأوروبي.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة