مستثمرو الديون الأميركية يدقون ناقوس الخطر بشأن معايير الإقراض

نشر
آخر تحديث
مصدر الصورة: AFP

استمع للمقال
Play

أطلق مستثمرو الديون في الولايات المتحدة جرس إنذار بشأن تراخي معايير الإقراض في أسواق الائتمان، وذلك بعد انهيار شركتين كان يُنظر إليهما حتى وقت قريب على أنهما في وضع صحي قوي.

فقد شهد مطلع هذا الشهر انهيار شركة Tricolor Holdings المقرضة لقروض السيارات عالية المخاطر، تلاها شروع مورّد قطع السيارات First Brands Group في استكشاف خيارات لإشهار الإفلاس، وهو ما أربك المستثمرين.

كانت Tricolor قد حصلت على تصنيفات ائتمانية ممتازة من الدرجة الثلاثية (AAA) أثناء اقتراضها من أسواق الائتمان، في حين يُعتقد أن First Brands راكمت ما يصل إلى 10 مليارات دولار من الديون والتمويلات خارج الميزانية، وكانت على وشك جمع المزيد منها الشهر الماضي.

 

اقرأ أيضاً: الفدرالي على أعتاب أول خفض للفائدة منذ 2024.. كيف يؤثر القرار على الديون والمدخرات؟

 

المستثمرون كانوا ميّالين في البداية للتعامل مع كل حالة باعتبارها واقعة منفردة، لكن تزامن الحالتين معاً شكّل مؤشراً على تصدعات في أسواق الائتمان التي أصبحت مصدراً حيوياً لتمويل المستهلكين والشركات، خصوصاً مع تراجع البنوك التقليدية عن الإقراض منذ الأزمة المالية.

تجار ومستثمرون قالوا لـ «فايننشال تايمز» إنهم طرحوا تساؤلات بشأن الضوابط التي سمحت لشركتي Tricolor وFirst Brands بالوصول سريعاً إلى حافة الانهيار. وقال أحد المستثمرين الذي باع سندات Tricolor الأسبوع الماضي إن انهيار الشركة وما تبعه من اضطراب في السوق كان من بين «أسوأ ما شهدته على الإطلاق في سوق الأوراق المالية المدعومة بالأصول».

كلتا الشركتين اعتمدتا على ديون مدعومة بالأصول: حيث قامت Tricolor بتجميع قروض سيارات عالية المخاطر في صورة سندات، بينما لجأت First Brands إلى صناديق متخصصة للحصول على تمويل مقابل فواتيرها.

 

التمويل المدعوم بالأصول

 

في جوهره، يقوم التمويل المدعوم بالأصول على الإقراض مقابل أصل أو قرض محدد، سواء كان أرصدة بطاقات ائتمان المستهلكين، أو عقود تأجير عربات السكك الحديدية والألواح الشمسية، أو الطائرات، أو حتى حقوق العوائد الموسيقية.

وقال بعض المستثمرين إنهم عمدوا مؤخراً إلى مراجعة محافظهم الاستثمارية للتحقق من أن الشركات الأخرى التي أقرضوها لا تواجه مشاكل مماثلة، وإنهم باتوا يطرحون أسئلة أكثر تفصيلاً قبل الاكتتاب في صفقات جديدة.

خلال السنوات الأخيرة، دفعت مؤسسات استثمارية أميركية بشكل أعمق في مجال الديون المدعومة بالأصول، وغالباً ما عرضتها كمنتج أكثر أماناً مقارنة بالقروض الممنوحة للشركات المصنفة عند مستويات منخفضة «junk-rated».

لكن Tricolor تخضع حالياً لتحقيقات وزارة العدل الأميركية في شبهات احتيال، بينما ظل بعض المستثمرين لفترة طويلة متشككين في تقارير First Brands المالية ولجوئها إلى «تسييل الفواتير»، وهو ما يثير قلق المقرضين لعدم وضوح حجم التمويل خارج الميزانية.

رفضت First Brands التعليق على التقرير، بينما لم تستجب Tricolor لطلبات التعليق.

 

اقرأ أيضاً: وكالة Fitch تتوقع ارتفاع إصدارات الديون بالدولار الأمريكي لدول الخليج إلى مستوى قياسي جديد في عام 2025

 

إن المخاوف من انهيار Tricolor وFirst Brands تهدد بتقويض بريق أحد أكثر قطاعات التمويل سخونة. فالائتمان المدعوم بالأصول ليس منتجاً جديداً، لكنه يشهد تطوراً متسارعاً، مع ابتكار عمالقة وول ستريت مثل Apollo Global Management وKKR أساليب جديدة للإقراض.

وقد شكل هذا التطور مكسباً كبيراً للمقرضين من خارج النظام المصرفي التقليدي مثل Tricolor، التي استفادت من الطلب على سندات قروض السيارات لتعزيز نشاطها.

لكن المقرضين الذين وفروا نحو ملياري دولار مقابل محافظ قروض السيارات المصدّرة من Tricolor يواجهون الآن مأزقاً صعباً. فقد تخلفت الشركة عن سداد دفعة فائدة في سبتمبر أيلول، وفقاً لمصدرين مطلعين، فيما يحاول بعض المقرضين حالياً حجز المركبات.

كما انكشفت بنوك كبرى أمام الأزمة، بما في ذلك JPMorgan Chase وFifth Third، إذ يواجهان خسائر بمئات الملايين من الدولارات نتيجة قروض السيارات.

وقال مستثمر آخر تخلى عن استثماراته في سندات Tricolor إنه لم يفهم كيف لم ترصد JPMorgan —وهي من أكثر البنوك تطوراً في العالم— أي مخالفات مالية محتملة، رغم أنها كانت من بين البنوك التي رتبت إصدارات الدين. وأضاف: «هذا هو الجانب الصادم. كيف يمكن لـ JPMorgan أن تغفل عن ذلك؟». ورفض البنك التعليق.

منذ الأزمة المالية، سعى صانعو السياسات حول العالم إلى تقوية النظام المصرفي، جزئياً عبر دفع أنشطة الإقراض بعيداً عن البنوك الخاضعة للرقابة إلى أجزاء أخرى من النظام المالي.

وقد اطّلع مسؤولو البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي على صعود المقرضين من خارج البنوك مثل Tricolor، وكذلك على انهيارها.

وقال توماش بيسكوريسكي، أستاذ في كلية إدارة الأعمال بجامعة كولومبيا، إن فشل Tricolor قد يدفع المستثمرين إلى «توخي الحذر أكثر»، مضيفاً: «وكالات التصنيف ستدقق الصفقات بصورة أكبر، ما قد يقلص من توافر الائتمان نسبياً».

 

شاهد أيضاً: الفدرالي يخفض الفائدة مخالفاً لسياسات البنوك المركزية العالمية

 

في المقابل، كانت First Brands قبل أسابيع فقط تسوّق عبر بنك Jefferies صفقة قروض جديدة بقيمة 6 مليارات دولار، فيما طمأنت المستثمرين بأنها تمتلك ما يقارب مليار دولار في ميزانيتها العمومية حتى مارس آذار الماضي.

لكنها باتت الآن تتفاوض للحصول على تمويل إنقاذ عاجل لسد فجوة سيولة، في عملية قد تتطلب إشهار الإفلاس.

الانهيار السريع في قيمة قروضها —حيث يتم تداول الديون الثانوية حالياً ببضعة سنتات فقط للدولار— أصاب المستثمرين بصدمة في سوق القروض الأميركية ذات الرافعة المالية، الذي يقدر بنحو 1.5 تريليون دولار.

وكان لدى المقرضين رؤية محدودة جداً إزاء التمويل المعقد القائم على الفواتير الذي كانت تمارسه First Brands، وهو نشاط عادة ما يقتصر على صناديق متخصصة ويجري في الغالب بشكل سري وخاص.

وكانت «فايننشال تايمز» قد ذكرت سابقاً أن مستثمرين، من بينهم صندوق التحوط العملاق Millennium Management ووحدة استثمارية تابعة لـ Jefferies، وفروا جزءاً من هذا التمويل لـ First Brands.

وقال عدد من المتخصصين في تمويل الفواتير إن المقرضين تجاهلوا إشارات تحذيرية حول تمويل First Brands بسبب العوائد المرتفعة التي كانت تعرضها الأوراق المفترض أنها مضمونة. وأوضح أحد مديري الصناديق: «الكثير من الناس جمعوا أموالاً مخصصة لتمويل الفواتير، وعندما تحرق الأموال جيوبك تبدأ في المجازفة. هذه الشركة كانت دائماً تعرض أعلى العوائد، ودائماً لديها قدرة على استيعاب المزيد، بلا حدود».

ورغم الانهيار السريع في ديون First Brands وسقوط Tricolor، يواصل مديرو الأموال الاستثمار في صفقات جديدة مدعومة بالأصول.

فبحسب مصادر مطلعة، يستعد بنك Goldman Sachs هذا الأسبوع لبيع محفظة بقيمة 300 مليون دولار من ديون بطاقات ائتمان عالية المخاطر صادرة عن شركة التكنولوجيا المالية Mission Lane.

وقال ديلان روس، رئيس فريق التمويل المدعوم بالأصول في شركة إدارة الأصول TCW، إن تقبّل السوق لمثل هذه الصفقات يعكس استمرار الثقة في أدوات التوريق. وأضاف: «قلة قليلة جداً من المنتجات المهيكلة ذات التصنيف الاستثماري تعرضت للتعثر منذ الأزمة المالية. التوريق بحد ذاته ليس المشكلة هنا».

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة