شرم الشيخ "مدينة السلام" بين 1996 إلى قمة غزة 2025.. محطات لتسويات لم تصمد

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

ما أشبه اليوم بالأمس حين اجتمع الزعماء العرب مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون في قمة شرم الشيخ عام 1996، بعد نحو ثلاثة عقود، تعود شرم الشيخ مجدداً إلى صدارة المشهد الدولي لتثبت رمزيتها التاريخية بحمل أثقل القضايا الجيوسياسية والأشد ألماً وإيلاماً، مع القمة التي عقدت برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترامب، للتوقيع رسمياً على اتفاق ينهي الحرب المستمرة منذ عامين في غزة، بحضور زعماء عرب وغربيين.


اقرأ أيضاً: تاريخ أبرز الاتفاقيات السابقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني


 سكتت البنادق… والشرق الأوسط يتجه إلى عصرٍ ذهبيّ جديد، بحسب تعبير ترامب، راعي اتفاق السلام في غزة، انطلاقاً من شرم الشيخ المصرية "مدينة السلام"، التي أصبحت منذ تسعينيات القرن الماضي محطة أساسية في مسار الدبلوماسية الإقليمية، بعد استضافتها قمماً ناقشت قضايا الحرب والسلام في الشرق الأوسط وكذلك قضايا المناخ.

 لكن السلام الذي تمّ الاتفاق في تلك الاجتماعات عليه لم يصمد والشاهد مؤتمر يوم 13 اكتوبر، مما يطرح أسئلة أبرزها: هل هذا هو السلام الدائم وفجر أمن واستقرار المنطقة التي لم يتوقف نزيفها منذ عقود؟

الأجواء متفائلة، بحسب مضيف القمة الرئيس المصري الذي قال خلال قمة شرم الشيخ، إن "اتفاق غزة يغلق صفحة أليمة في تاريخ البشرية".

لكن، ما أشبه اليوم بالأمس حيث كانت المنطقة حينها على مفترق طرق، إثر مواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، واليوم تضع شرم الشيخ أوزار حرب غزة المدمرة التي استمرت عامين تخللها جولة حرب في لبنان استمرت أكثر من شهر، وأسبوعين من تبادل النيران بين إسرائيل وإيران.

بعد نحو ثلاثة عقود على مؤتمر صانعي السلام عام 1996، احتضنت المدينة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، تحت عنوان إنهاء الحرب في غزة.

المشهد كان رمزياً وله وقع عالمي لجهة الحضور حيث أصر ترامب على حضور عدد كبير من الزعماء، حتى الذين ليس لهم علاقة مباشرة بملف الصراع.

 

الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن عن فجر جديد في المنطقة، مشدداً على أن ما تم الاتفاق عليه لم يحصل في التاريخ. لكن هذا السلام، الذي تنتظره المنطقة لا يزال يحمل التشكيك،  والتاريخ شاهد على ذلك.

فالاجتماع في مدينة شرم الشيخ الحائزة جائزة مدن السلام لعامي 2000 و2001 على التوالي، والتي كانت شاهدة منذ تسعينيات القرن الماضي على محاولات دولية وإقليمية عدة لجسر الهوة في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي غالباً ما كانت تُجرى بمشاركة أميركية، لم تجلب السلام، لذلك استوجب اللقاء مجدداً في أكتوبر 2025.

فما هي أبرز المحطات التي شهدتها مدينة شرم الشيخ؟

مؤتمر صانعي السلام عام 1996

شهدت المدينة في 13 آذار/مارس 1996 حدثاً مفصلياً في تاريخ الشرق الأوسط، حين استضافت قمة صانعي السلام بدعوة من الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك.

شارك في القمة حينها عدد من أبرز القادة العالميين، من بينهم الرئيس الأميركي بيل كلينتون، والعاهل الأردني حسين بن طلال، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز، إلى جانب زعماء عرب وأوروبيين آخرين.

هدفت القمة إلى تثبيت مسار عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية والتأكيد على رفض الإرهاب والعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية.قمة الاثنين حول إنهاء الحرب في غزة.


اقرأ أيضاً: "تفكيك اتفاقيات أوسلو".. كيف تعمل إسرائيل على إجهاض "حلم الدولة الفلسطينية"؟


وتحت عنوان: "شرم الشيخ: دعم السلام سياسياً واقتصادياً وتشكيل لجنة لتنسيق محاربة الإرهاب"، كان تصريح العاهل السعودي آنذاك الملك الراحل فهد بن عبد العزيز،  قال فيه "السلام العادل لن يتحقق إلا وفق قرارات مجلس الأمن".

بعد نحو ثلاثة عقود، عادت شرم الشيخ لتكون من جديد في قلب المشهد الدولي.

وجاءت القمة بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ قبل أيام، وسط ترقب إقليمي ودولي لبدء عملية تبادل الرهائن والأسرى صباح الأثنين.

ورغم أن المعارك توقفت فعلياً، فإن القمة حملت طابعاً سياسياً وإنسانياً، فهدفها تثبيت الهدنة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، إلى جانب وضع آلية لمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق وفتح الطريق أمام عملية سياسية جديدة.

قبل هذه القمة وبعدها شهدت شرم الشيخ اجتماعات هامة، أغلبها لاحتواء الصراع افلسطيني الإسرائيلي. وبينها:

اتفاق "واي 2" 1999

في سبتمبر/ أيلول من عام 1999، استضافت المدينة باراك وعرفات لتوقيع اتفاق تفاهم بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية برعاية الولايات المتحدة ومصر والأردن، لتحديد جدول زمني لتنفيذ التزامات اتفاق أوسلو والمضي قدماً في مفاوضات الوضع النهائي للمسائل العالقة مثل القدس والحدود واللاجئين والمستوطنات، وأطلق على الاتفاق اسم "واي 2" أو واي ريفر.

ونصت على التزام الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية التنفيذ الكامل والمتبادل للاتفاق الانتقالي الموقع بينهما في وقت سابق ولجميع الاتفاقات المعقودة بين الجانبين، وأقرّتا باستئناف مفاوضات الوضع النهائي بصورة مكثفة، وبذل كل الجهد المستطاع للتوصل إلى هدفهما المشترك باتفاق سلام.

قمة "عرفات- باراك" 2000

في مارس/ آذار عام 2000، استضاف الرئيس المصري مبارك في ذلك الوقت كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في منتجع شرم الشيخ، بهدف التباحث والرد على خطة السلام الأميركية التي اقترحها آنذاك الرئيس بيل كلينتون، بعدما اعتبر الطرفان أنها تتضمن فجوات واسعة وكبيرة لا يمكن القبول بها.

وكانت القمة أول لقاء مباشر بين باراك وعرفات منذ اندلاع المواجهات في الأراضي الفلسطينية “الانتفاضة الثانية” وهدفت إلى إعداد إطار لاستئناف المفاوضات بين الجانبين.

مقترح كلينتون للسلام، نص على احتفاظ إسرائيل بنسبة 9% من أراضي الضفة الغربية وغزة ضمن اتفاق سلام نهائي، وضم 5% من الأراضي الفلسطينية بينها تجمعات استيطانية، على أن يعطى الفلسطينيون مقابل ذلك أراضي بديلة، إضافة إلى استئجار إسرائيلي طويل الأمد لـ3% من الأراضي الفلسطينية وإلحاق مستوطنات إسرائيلية في أرض نسبتها 1% بالقدس، في محاولة لوضع نهاية لمأزق عملية السلام والتوصل إلى اتفاق قبل مغادرته للبيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني عام 2001. هذا التفاوت غير العادل لم يوقف النزاع واستدعى لقاءات أخرى، بعد خمسة أعوام.

قمة 2005

في فبراير /شباط عام 2005، استضافت مدينة شرم الشيخ قمة مهمة بهدف إيجاد مخرج سياسي لإنهاء حال العنف المستمرة، واستئناف عملية السلام التي تعطلت بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي عرفت بـ"انتفاضة الأقصى" والتي انطلقت في أواخر سبتمبر عام 2000 واستمرت لسنوات، مع تصاعد العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وشارك في القمة رئيس السلطة الفلسطينية آنذاك محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون وممثلون عن الأردن والولايات المتحدة وأطراف دولية أخرى داعمة لعملية السلام. 


اقرأ أيضاً: خطة ترامب وإعادة إعمار غزة... العالم يتأهب لـ"المهمة المستحيلة"


بعد  تلك القمة أوقفت الانتفاضة الفلسطينية الثانية من قبل الطرفين وأعلن التزام خريطة الطريق للسلام والاتفاق على الإفراج عن مئات السجناء الفلسطينيين ودعم خطوات بناء الثقة بين الطرفين لتمهيد الطريق لمفاوضات سلام مستدامة، لكن الواقع. لم يكن كذلك.

محاولة إحياء السلام 2010

في سبتمبر من عام 2010، عقدت في شرم الشيخ الجولة الثانية من المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية المباشرة بحضور وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والمبعوث الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جورج ميتشل، بعد تأجيل قصير بسبب الخلافات بين الجانبين في ما يخص مسألة الاستيطان.

وسبق تلك الجولة التفاوضية، عقد مبارك لقاءين منفصلين مع عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعرض خلالهما الجانبان مواقفهما في المفاوضات والقضايا المقررة مناقشتها خلال الجولة الثانية للحوار.

وجاءت تلك الجولة التفاوضية في أعقاب إطلاق الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما في الثاني من سبتمبر من العام ذاته، محادثات مباشرة بين عباس ونتنياهو لكنها انهارت بسبب ملف المستوطنات الإسرائيلية.

محاولة أخيرة للتقارب 2023

في مارس عام 2023، وقبيل اندلاع حرب غزة الدائرة حتى الآن، اجتمعت وفود من إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والأردن والولايات المتحدة في شرم الشيخ، ضمن محاولات إقليمية ودولية لوقف التدهور الأمني والسياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بخاصة مع تصاعد حوادث العنف والهجمات والاحتكاكات، وكذلك التوتر حول التوسع الاستيطاني الإسرائيلي.

كما جاء الاجتماع بهدف التزام وقف الإجراءات الأحادية مثل بناء المستوطنات الجديدة والتوسع في المستوطنات القائمة لفترة موقتة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وتشكيل آلية لحل النزاعات على الأرض والتخفيف من التوترات، والحفاظ على الوضع التاريخي للمواقع المقدسة في القدس.

قد يبدو توقيع السلام ورفع لوائه أمر رائع لوقف حمامات الدم وانتظام الحياة لا سيماً في الجزء الفلسطيني، الذي تكبد فاتورة ضخمة، لكن الدروس المستفادة من قمة 1996 أثبتت أن الاتفاقيات والقرارات الدولية لا تكون دائماً كافية وحاسمة لإنهاء الصراعات والنزاعات وحماسة الرئيس الأميركي واندفاع القادة العرب والغربيين، والتوقيع على الورق لا يعني بالضرورة بداية السلام الفعلي.

وبحسب الخبراء، السلام الحقيقي يبقى رهن التزام الأطراف المعنية وإرادتهم في التمسك بمبادئ الاتفاق وتحويله إلى واقع ملموس. وأن تتحول المبادئ التي وقعها الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والأميركي دونالد ترامب في شرم الشيخ تكون فعلاً ميثاقاً أبدياً للسلام.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة