قرارات الفدرالي واقتصادات الأسواق الناشئة.. ما هي أبرز السيناريوهات في 2026؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

مع اقتراب عام 2026، تدخل اقتصادات الأسواق الناشئة مرحلة حساسة تترقب فيها قرارات الفيدرالي الأميركي ومسارات النمو والتدفقات الرأسمالية العالمية. وبين احتمالات التيسير النقدي أو الإبقاء على التشديد طبقاً لأي مستجدات قد تطرأ، تتباين السيناريوهات المطروحة حول قدرة هذه الاقتصادات على امتصاص الصدمات وتحويلها إلى فرص.

هذا التقرير ضمن ملف خاص أعدته CNBC عربية قبل آخر اجتماعات الفدرالي في 2025..  تحت عنوان: (كيف يفكر الفدرالي الأميركي؟)

 → التقرير السابق  —  التقرير التالي

خاص CNBC عربية- رانيا برو

من المتوقع على نطاق واسع أن يُخفّض الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة أكثر في الأشهر المقبلة، مع دعواتٍ إلى تيسير نقدي أكثر جرأة. وفي ظل هذه الخلفية، ترى سيتي للأبحاث أن الدولار الأميركي سيتجه إلى الضعف مع نهاية العام.

ويعني كلٌّ من انخفاض أسعار الفائدة الأميركية وتراجع قيمة الدولار أن الأوضاع النقدية العالمية مرشحة لمزيد من التيسير.

وقد أدى هذا النمط في السابق إلى دعم عملاتٍ مثل الريال البرازيلي، والبيزو المكسيكي، والراند الجنوب أفريقي، على سبيل المثال. كما عزز خفض الفائدة أداء أسواق الأسهم في هذه الدول عند تقييمها بالدولار الأميركي. لذلك، يجري حالياً بحث ما إذا كانت تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفدرالي قد تمهّد لموجة جديدة من الأداء المتفوق في أسواق الأسهم الناشئة.

تاريخياً، كانت دورات تخفيف السياسة النقدية من الفدرالي داعمةً بشكل خاص لأسهم الأسواق الناشئة عندما لا يعقبها ركود.

وظل السرد الاقتصادي الكلي للأسواق الناشئة ثابتاً إلى حد كبير مقارنة بالتحديث الفصلي السابق؛ فقد جاء النمو أفضل من المتوقع لمعظم هذه الأسواق في عام 2025، مع مراجعات تصاعدية لنمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام. وفي عام 2026، يُتوقع تباطؤٌ متواضع في النمو بمعظم الأسواق الناشئة.

إلى ماذا تشير التوقعات؟

في هذا الإطار، تتوقع ستاندرد آند بورز أن تستمر الصادرات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في التفوق خلال 2026، بما يخدم بشكل رئيسي الأسواق الناشئة في آسيا. كما أن تأثير الرسوم الجمركية الأميركية، الذي كان محدوداً حتى الآن في معظم هذه الأسواق، سيصبح أوضح على صادرات الأسواق الناشئة غير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في الأرباع المقبلة، مع انتقال التكاليف إلى المستهلك الأميركي.

أما على المدى المستقبلي، فتفترض ستاندرد آند بورز أن تظل ظروف التمويل للأسواق الناشئة إيجابية في 2026، تماشياً مع استمرار الفدرالي بخفض أسعار الفائدة وتواصل الضعف الواسع في الدولار الأميركي.

ومع ذلك، تتضمن المخاطر السلبية الرئيسية احتمال أن تكون تخفيضات الفائدة أقل من المتوقع بسبب تضخمٍ أعلى من المستهدف، إضافةً إلى احتمال حدوث تصحيح غير منظم في أسعار الأصول المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، يصاحبه تراجع أوسع في شهية المخاطرة، حتى مع استمرار ظروف التمويل الداعمة.

الـ AI

ورغم التباين في أداء صادرات الأسواق الناشئة، فإن الذكاء الاصطناعي والسلع المرتبطة به—ومعظمها مُعفى من الرسوم الجمركية الأميركية—تفوقت على السوق طوال عام 2025.

ووفق توقعات ستاندرد آند بورز غلوبال، سيستمر هذا الاتجاه في 2026 في ظل خطط الإنفاق الرأسمالي الضخمة التي أعلنتها شركات الحوسبة السحابية لبناء مراكز بيانات، ما يدعم الطلب على السلع المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.

ومن المرجح استمرار ارتفاع الإنفاق العالمي على التكنولوجيا، ولا سيما في الأسواق الناشئة الآسيوية. ويقول ستيفان إيناس، محلل الأسواق في SPI لإدارة الأصول، لـ CNBC عربية: "تُعد ماليزيا وتايلاند وفيتنام من الأسواق الأكثر ارتباطاً بسلسلة توريد التكنولوجيا المتقدمة، ومن المتوقع أن تنمو صادرات السلع فيها بما يتجاوز 10% خلال 2025".

ومع هذه الديناميكية الإيجابية، تبقى الرسوم الجمركية تحدياً، إذ "ستؤثر الرسوم الأميركية بشكل طفيف على صادرات الأسواق الناشئة غير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في 2026"، وفق إيناس.

ويُرجَّح أن يؤدي ضعف تجارة السلع غير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي إلى تراجع النمو في بعض الأسواق الناشئة العام المقبل.

حتى الآن، لم تُحدث الزيادة الحادة في الرسوم الأميركية هذا العام تأثيراً كبيراً على صادرات الأسواق الناشئة.

ويعود الأداء القوي الحالي لصادرات الأسواق الناشئة جزئياً إلى زيادة الواردات الأميركية قبيل تطبيق الرسوم المرتفعة، بحسب إيناس.

كما تحمل المنتجون حتى الآن معظم التكاليف المرتبطة بالرسوم، لكن مع تقلص هوامش الربح -خصوصاً بعد زيادات أغسطس/ آب- يرجّح أن يبدأوا بتحميل المستهلك الأميركي جزءاً أكبر من التكلفة.

وعند حدوث ذلك، يتوقع إيناس "انخفاض الطلب على صادرات الأسواق الناشئة غير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في 2026 مقارنة بعام 2025".

ظروف العمل

من المرجح أن تظل ظروف التمويل مواتية للأسواق الناشئة في 2026. فقد كانت هذه الظروف في 2025 داعمة للغاية نتيجة ضعف الدولار واستئناف الفدرالي تخفيض الفائدة. إضافة إلى ذلك، واصلت بعض البنوك المركزية الناشئة خفض أسعار فائدتها المرجعية، إلى جانب قوة العملات المحلية، ما جذب تدفقات رأسمالية كبيرة إلى الدين المحلي.

وفي 2026، سيواصل الفدرالي خفض الفائدة، فيما يستمر تراجع الدولار مقابل معظم عملات الأسواق الناشئة.

ما هي التداعيات العالمية لسياسة الفائدة الفدرالية؟

تتجاوز آثار السياسة النقدية للفدرالي حدود الولايات المتحدة، إذ تنعكس على تدفقات رؤوس الأموال العالمية، وعلاقات العملات، والاستقرار الاقتصادي الدولي. ويجعل هذا الترابط من سياسة الفدرالي محدداً رئيسياً لأوضاع الأسواق المالية العالمية.

ووصف تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" لصندوق النقد الدولي التوقعات بأنها "قاتمة"، متوقعاً تباطؤ النمو حتى 2026، ما يُشكل خلفية معقدة تتطلب موازنة بين الأهداف المحلية واعتبارات الاستقرار الدولي.

تداعيات سوق العملات

عادةً ما تُضعف تخفيضات الفائدة الأميركية الدولار مقابل العملات الأخرى، بافتراض بقاء الفائدة أعلى في اقتصادات أخرى. ومع تضاؤل الفارق بين أسعار الفائدة الأميركية ونظيراتها المتقدمة، تتراجع علاوة الاستثمار على الدولار.

ويعود هذا التعديل في أسعار الصرف بفوائد على بعض الاقتصادات الناشئة، من خلال خفض أعباء خدمة ديونها المقومة بالدولار وزيادة تنافسية صادراتها، لكنه قد يدفع أيضاً إلى خروج رؤوس الأموال من الأصول الدولارية نحو أسواق ذات عوائد أعلى.

أنماط تدفقات الاستثمار الدولي

غالباً ما يُعيد انخفاض الفائدة الأميركية توجيه رؤوس الأموال نحو الأسواق ذات العائد الأعلى، لا سيما الاقتصادات الناشئة ذات النمو الأقوى والديناميكيات السكانية المواتية. ويمكن أن يُسهم ذلك في دعم النمو العالمي، لكنه أيضاً قد يخلق فقاعات أصول إذا أصبحت التدفقات مفرطة.

ويركز المستثمرون عادةً على الأسواق ذات النمو القوي، والشباب الديموغرافي، والحراك الاقتصادي الصاعد، وهي عوامل تدعم أسواق استثمار نشطة تستند إلى أطر تنظيمية مواتية.

ويرتبط التيسير النقدي كذلك بزيادة الإقراض للشركات عالية المخاطر؛ إذ يؤدي خفض الفائدة الفدرالية بمقدار 25 نقطة أساس إلى زيادة القروض الممنوحة لهذه الشركات بنسبة 1% مقارنة بالمقترضين العاديين، وفق ما يقول أبيغيل مورفي، مساعد مدير المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية لـ CNBC عربية.

ويضيف مورفي أنه "عندما تُشدَّد السياسة النقدية الأميركية، ينخفض الإقراض من البنوك الأجنبية. وقد ارتبطت زيادات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بانخفاض قدره 4.2 نقطة مئوية في الائتمان الدولاري لشركات الأسواق الناشئة مقارنة بالمتقدمة، ولا يعوض الائتمان المحلي هذا الانكماش، بل ينكمش الائتمان المحلي بالدولار أيضاً".

ويُظهر مورفي أن زيادة 25 نقطة أساس تؤدي أيضاً إلى انخفاض في الائتمان المحلي بنسبة 3.5 نقطة مئوية.

كما تؤثر تغيّرات الفائدة في منطقة اليورو على الإقراض المقوّم باليورو من البنوك الأميركية للمقترضين غير الأوروبيين، دون تأثير على الائتمان المقوّم بالدولار. ويخلص باحثو سيتي إلى أن "السياسة النقدية الخارجية تنطبق فقط على القروض بالعملة الأجنبية المقابلة".

مرونة السياسات الاقتصادية

أظهرت الاقتصادات الناشئة قدراً كبيراً من المرونة أمام موجات الابتعاد عن المخاطرة. وتشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن هذه المرونة تعود لتحسن فعلي في أطر السياسة النقدية والمالية، وتعزيز استقلالية البنوك المركزية، واعتماد أنظمة أكثر مصداقية لاستهداف التضخم، ومرونة أكبر في أسعار الصرف لامتصاص الصدمات.

وفي موازاة ذلك، اتخذت العديد من الدول الناشئة—خصوصاً في آسيا وأوروبا الناشئة والخليج—خطوات لتحسين إدارة الدين والحساب الجاري، عبر خفض نسب الدين أو تثبيتها عند مستويات محتملة التمويل، وزيادة الاحتياطيات الأجنبية، وتقليص العجز في الحساب الجاري، مستفيدةً من صادرات صناعية وتكنولوجية (كما في كوريا وتايوان والتشيك) أو من فوائض نفطية وغازية (كما في الإمارات وقطر).

وقد حسّنت هذه الخطوات الصورة الائتمانية لعدد من الاقتصادات ذات التصنيف المرتفع مثل AA، مما جعل سنداتها أقل مخاطرة في نظر المستثمرين مقارنة بما كان يُفترض تقليدياً.

سيناريوهات محتملة

قد تكون الاستدارة نحو الأسواق الناشئة أحد أبرز آثار خفض الفائدة. لكن، وفق إيناس، يبقى هذا التحول مشروطاً باستمرار تراجع التضخم، وحماية إصلاحات المالية العامة، وعدم انزلاق ديون دول مجموعة السبع إلى مستويات تثير توترات مالية عالمية جديدة.

ومن ضمن السيناريوهات المحتملة أيضاً نشوء نظام أكثر توازناً في تسعير المخاطر السيادية، بما يمنح الأسواق الناشئة وزناً أكبر في المحافظ العالمية، ويخفف من احتكار الاقتصادات المتقدمة لدور الملاذ الآمن، كما يوضح مورفي.

أما السيناريو الأكثر حدة، فهو أن أي انتكاسة في الإصلاحات المالية أو تغيّر مفاجئ في الدولار أو أسعار الفائدة قد يعيد سريعاً اختبار قوة أسواق الناشئة.

ومع خفض الفيدرالي لسعر الفائدة، يزداد اهتمام المستثمرين بإمكانات أسهم الأسواق الناشئة.

وتاريخياً، منذ 1989، تفوقت أسهم الأسواق الناشئة على نظيراتها المتقدمة خلال دورات التيسير النقدي، خصوصاً في البيئات غير الراكدة.

ورغم أن الأداء الأولي قد لا يظهر اختلافات كبيرة، إلا أن الصورة تتضح عادة بعد نحو ربع عام من أول خفض للفائدة؛ وهي فترة حاسمة تُمكّن المستثمرين من تقييم ما إذا كان الاقتصاد يتجه نحو هبوط تدريجي أو نحو ركود—وهو ما تم تجنّبه نسبياً خلال التخفيضين الأخيرين هذا العام، ومن المتوقع أن يستمر مع الخفض الثالث المرتقب.

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة