بينما يترقب العالم ما ستسفر عنه قمة ألاسكا المقررة يوم الجمعة المقبل 15 أغسطس/آب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، تطرح تساؤلات نفسها حول ما إذا كانت هذه القمة يمكن أن تمثل بداية النهاية للحرب الدائرة في أوكرانيا، فالموعد يحمل في طياته رهانات جيوسياسية كبرى، ويعيد فتح النقاش حول فرص التوصل إلى اتفاق يوقف نزيف الدماء ويعيد ترتيب المشهد الأمني في أوروبا.
المشهد الراهن يبدو معقداً؛ فموسكو لا تزال متمسكة بأهدافها الاستراتيجية المتمثلة في منع انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وترسيخ سيطرتها على مناطق شرق وجنوب البلاد، بينما ترفض كييف أي تنازل عن أراضٍ سيادية وتصر على استعادة شبه جزيرة القرم ودونباس. وفي ظل هذا التباين الحاد، تتحرك الدبلوماسية الأميركية وسط بيئة مليئة بالألغام السياسية والعسكرية، بحثاً عن صيغة وسطية يمكن تسويقها للطرفين.
تكمن الفرصة في أن قمة ألاسكا توفر للمرة الأولى منذ شهور منصة مباشرة بين واشنطن وموسكو لمناقشة سبل وقف إطلاق النار، وربما إطلاق مسار تفاوضي طويل الأمد برعاية أميركية وغربية. كما أن الضغوط الاقتصادية المتزايدة على روسيا، والإرهاق العسكري والاقتصادي الذي تعانيه أوكرانيا، قد يفتحان نافذة ضيقة أمام حلول براغماتية، حتى وإن كانت مؤقتة، لخفض التصعيد وتهيئة الأجواء لإعادة الإعمار.
لكن العقبات تبدو لا تقل وزناً عن الفرص، فغياب الثقة العميق بين الطرفين، والتباين في تعريف كل طرف لـ"السلام العادل"، إضافة إلى مواقف القوى الأوروبية التي تخشى أي اتفاق يكرس مكاسب روسيا الميدانية، كلها عوامل تجعل من أي تسوية مهمة شاقة. كما أن أي اتفاق قد يواجه اختبار الالتزام على الأرض، في ظل تحذيرات من أن موسكو قد تستخدم وقف إطلاق النار كإعادة تموضع لاستئناف العمليات لاحقاً.
أبرز السيناريوهات والفرص
في هذا السياق، يقول مدير دراسات أوروبا الوسطى، جامعة جنوب كاليفورنيا، روبرت إنجلش، إن هناك مؤشرات على أن روسيا وأوكرانيا قد تتجهان نحو تسوية قد تُفضي على الأقل إلى وقف إطلاق نار، إن لم يكن إلى تسوية شاملة.
ويضيف في حديثه مع CNBC عربية: "يُعلن كل من بوتين وزيلينسكي علناً عن مطالبهما القصوى: بوتين يريد الاستيلاء على أراضٍ أكثر مما يملكه بالفعل، بينما زيلينسكي يرفض حتى التنازل عن شبه جزيرة القرم، ناهيك عن أي شيء في دونباس.. هذا يُفرّق بينهما كثيراً.. لكن تلميحات من كلا الجانبين تُشير إلى تسوية".
ويستطرد: "جاء أحد أهم الأخبار في شكل استطلاع رأي شامل في أوكرانيا، أظهر أن حوالي 70% يُريدون وقف القتال فوراً، وأنهم مستعدون للتفاوض على الأراضي.. وبشكل أكثر تحديداً، مع أنهم لا يدعمون مطالب روسيا القصوى، إلا أنهم مستعدون للتنازل عن الأراضي التي تسيطر عليها روسيا حالياً، وتأجيل القرار النهائي إلى وقت لاحق، أي إلى تسوية على غرار تسوية بين كوريا الشمالية والجنوبية".
ويشير إلى أن "ما يُصرّون عليه هو ضمانات أمنية قوية، أي آلاف الجنود من دول حلف الناتو يقومون بدوريات على طول الخط ويعملون كقوات حفظ سلام، كضمانة لعدم إشعال روسيا للحرب مجدداً".
ويعتقد مدير دراسات أوروبا الوسطى، جامعة جنوب كاليفورنيا، في معرض حديثه مع CNBC عربية إن هذا حلاً وسطاً واقعياً.. يتوقف القتال الآن، ولا تعترف أوكرانيا بسيادة روسيا على الأراضي التي سيطرت عليها، لكنها مستعدة لتأجيل المداولات إلى وقت لاحق، وتحصل على دعم من القوات الغربية.
فيما قد تكون نقطة الخلاف هي عضوية أوكرانيا في حلف الناتو، ولكن بما أن ترامب استبعد ذلك سابقًا، فقد كان على زيلينسكي قبوله بالفعل.
وبشكل عام، يوضح إنجلش أن معظم الناس سيعتبرون هذه صفقة جيدة لروسيا وسيئة لأوكرانيا. "ولكن كلما أسرعت أوكرانيا في وقف النزيف ومضت قدماً في إعادة بناء الأجزاء الغربية من البلاد، كلما تمكنت من تحقيق الرخاء ومحاولة استعادة بعض السيادة الجزئية على شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس بالإقناع، لا بقوة السلاح".
ويشدد على أن "البديل أمام كييف هو الاستمرار في خسارة المزيد من الرجال والأراضي، وكلما طال أمد ذلك، ازداد ضعف موقف أوكرانيا".
فرص وتحديات
وتسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبيل قمة ألاسكا المرتقبة بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى الدفع باتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، يقوم على التفاهم حول النقاط الرئيسية خلال اللقاء المباشر بين الزعيمين.
وبحسب تسريبات أوردتها تقارير غربية، فإن ملامح الاتفاق المقترح تتضمن تنازلات كبيرة من جانب أوكرانيا، أبرزها تسليم مساحات شاسعة من أراضيها إلى روسيا، مع الإبقاء على سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014، ومنطقة دونباس في شرق البلاد، بما في ذلك دونيتسك ولوغانسك.
في المقابل، ينص الاتفاق على أن تتخلى روسيا عن مطالبها في منطقتي خيرسون وزاباروجيا، حيث تملك حالياً نفوذاً عسكرياً جزئياً. إلا أن كييف تؤكد رفضها القاطع لأي صيغة تمنح روسيا سيطرة على أراضٍ أوكرانية، بما في ذلك القرم، وهو ما شدد عليه الرئيس فولوديمير زيلينسكي قائلاً: "لا مجال للحديث هنا، فهذا مخالف لدستورنا".
حتى اللحظة، لم يتزحزح بوتين عن مطالبه الأساسية، التي تشمل الإبقاء على سيطرة روسيا على أجزاء من الأراضي الأوكرانية، وضمان حياد أوكرانيا، وتقييد حجم قواتها المسلحة في المستقبل، وهو ما يعكس حجم الفجوة التي يتعين على قمة ألاسكا ردمها إذا ما أُريد لها أن تفضي إلى اتفاق سلام دائم.
ومن أبرز سمات خطة وقف إطلاق النار التي اقترحتها روسيا، التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية في دونباس لروسيا.
في هذاالسياق، يقول سفير أوكرانيا السابق لدى الولايات المتحدة، أوليه شمشور، في تحليل نشره المجلس الأطلسي: "مثل هذه الخطة "ستكون نصرًا كبيرًا لروسيا وضربة موجعة لأوكرانيا".
ومما يزيد الوضع سوءاً غياب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ويشير أوليه إلى أن "القضايا الحيوية لأوكرانيا تُحسم دون مشاركتها المباشرة، تمامًا كما خطط لها بوتين".
تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي